الأجيال الجديدة .. عبء أم ثروة..؟

[email protected]

يواجه شبابنا من الجيل الجديد ثلاثة حواجز في سباق الحياة كل منها يحتاج إلى جهد جهيد وحظ وفير بعد توفيق الله سبحانه وتعالى، لكي يتجاوزها ويتخطاها ليس فقط بالنجاح بل بأرقام قياسية.
الحاجز الأول هو الثانوية العامة واجتياز اختباراتها، فالحصول على شهادتها لا يكفي إن لم تكن ذات معدل مرتفع لا يقل عن 80 في المائة، وأمام الحصول على هذه النسبة عقبات كأداء ظهرت في السنوات الأخيرة، وهي اختبارات المواد العلمية وعلى رأسها مادة الرياضيات التي باتت شديدة وصعبة بحيث لا يتخطاها بتفوق إلا صاحب جهد جهيد وحظ يفلق الصخر. والملاحظ أن هذه المواد العلمية وعلى وجه الخصوص مادة الرياضيات باتت وكأنها الآلية لضبط كم المتفوقين والتحكم في نسب النجاح بهدف كبح التدفق على الجامعات التي تشتكي من عدم قدرتها الاستيعابية، فلا أحد يمكن أن يفسر هذه الصعوبة في وضع أسئلة المواد العلمية وخاصة الرياضيات بغير ذلك.
أما الحاجز الثاني فهو الحصول على قبول في الجامعات والكليات، فالقبول دونه شروط وعوائق أهمها النسبة التي يجب ألا تقل عن 80 في المائة، والقدرة الاستيعابية المحدودة قياسا بأعداد الحاصلين على الثانوية العامة، والتي لا تمكن كثيرين من الحصول على فرصة قبول، فإن تجاوزوا عقبة النسبة فقد يصدمون بالاكتفاء بسبب محدودية الأماكن.
والحاجز الثالث الذي سوف يواجهه شبابنا بعد تجاوز الحاجزين السابقين هو حاجز صعوبة الحصول على فرصة عمل، فكثير من حملة الشهادات الجامعية قضى ويقضي سنوات دون أن يجد عملا لا في القطاع الحكومي ولا الخاص.
هذه الحواجز الثلاثة تمثل فعلا معاناة الجيل الجديد وستظل معاناة الأجيال المقبلة إن لم نسارع لوضع حلول ناجعة لها، وهي معاناة لها سلبياتها الكثيرة والكبيرة بل والخطيرة أيضا، وما يجعلها كذلك هو أن هذه المعاناة ليست وليدة العجز وقلة الإمكانيات بل نتاج إهمال وغياب استراتيجيات وخطط، وحل مثل هذه المعاناة يتطلب وجود رؤية وطنية استراتيجية تهدف إلى استثمار هذا الجيل الجديد بالطريقة الصحيحة بتحويله من عبء علينا إلى ثروة بشرية نوظفها ونؤهلها لتكون العنصر المشغل والمطور لعملية التنمية والتطوير التي لا تتوقف، وهذا يدعونا ويتطلب منا وضع خطط مبكرة بهدف توجيه تأهيل الأجيال الجديدة بما يخدم ويضيف لعجلة التطوير والتشغيل لميكنة النهضة، والبداية تكون من تحديد منهجية التعليم من المرحلة الابتدائية وفق الرؤية التي نريدها والأهداف التي نرمي إليها، ولا أخال أحدا يمكن أن يختلف معي على أن استراتيجيتنا التعليمية، إن وجدت، ليست مبنية على رؤية محددة، فالقضية هنا ليست مجرد تعليم، بل وضع مناهج تعليمية وتربوية تؤدي لتحقيق جملة أهداف أساسية تنتهي بعملية تأهيل تتوافق مع احتياجاتنا والتي تحددها إمكاناتنا وما هو متوافر لدينا من عناصر إنتاج، وما يضمن لنا تأهيل وتوظيف الأجيال الجديدة ليس فقط في تشغيل مكينة النهضة والتطوير، بل إضافة فكر جديد يستفيد من تجدد العلوم والتقنية وتطورهما بين زمن وآخر.
العنصر البشري متى ما أهل وفق استراتيجية لاستثماره حسب احتياجات وإمكانيات البلد، يكون هو الثروة الحقيقية وليس غيره، فالإنسان هو المحرك الحقيقي والأساسي للتنمية والتطوير بفكره وعلمه وجهده وعمله وإبداعه، وحين أرى جل ثروتنا البشرية الواعدة ممثلة في هذه الأجيال الجديدة تائها دونما وجود لمنهجية تعليمية وتأهيلية تمكنه من لعب أدوار محددة حسب خطط عامة، أتحسر على إضاعة مثل هذه الثروة، فإن استمررنا بهذه العشوائية من دون إيجاد فرص تعليمية وتدريبية جادة وممنهجة وكافية لما بعد الثانوية، ومن ثم توفير فرص عمل في سوق عمل يستوعب وهو ما زال ممتلئا بعمالة أجنبية كثير منها لسنا في حاجة إليه، فسوف نجد أنفسنا نعاني معاناة مستديمة من بطالة عمل وتعليم وما تفرزه من سوءات عديدة اجتماعية واقتصادية وأمنية، فنحن نعيش في عصر أصبح فيه توظيف الإنسان ضمن عملية إنتاجية متجددة جزءا أصيلا في توفير الأمن الاجتماعي والاقتصادي.
ما دعاني لتناول هذا الموضوع هو ما نراه الآن وبعد انتهاء العام الدراسي من جري طلابنا هنا وهناك للبحث عن فرصة تعليمية في هذه الجامعة أو تلك الكلية، وما يحز في النفس أن يحدث ذلك لشباب بلد تتوافر فيه الإمكانيات، وهو ما يعكس عشوائيتنا وافتقادنا خططا واستراتيجيات، فمعاناة هذه الأجيال الجديدة تكشف عن فشل خططنا السابقة أو على الأقل أنها لم تقرأ واقعنا وتستشرف مستقبلنا بطريقة صحيحة وعملية، فلو حدث عكس ذلك لما تحولت الأجيال الجديدة من ثروة يمكن تأهيلها إلى عبء نتهرب منه ونحل معاناته بأعذار غير مقنعة لأننا لم نعرف كيف نؤهلهم ونوظفهم ليكونوا محركين لعملية النهضة، في وقت تعج فيه بلادنا بعمالة أجنبية وجدت فيها فرصا لم توفر لمواطنيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي