من يحتكر العقار؟
العقار قطاع اقتصادي لا يجاري نهضتنا الاقتصادية، بل يعوقها، فهو اقتصاد مضاربات، وصفقات خارج المعقول والطبيعي، ولا تتسق مع اقتصاد مزدهر تتنوع استثماراته، ويسهم في مسيرة التنمية، ويكون له نفع عام مثل كل مرفق اقتصادي، وباختصار فالعقار السعودي لم يعد سلعة مستهلك، بل يشبه كنزا مدفونا، قيمته الإنتاجية صفر.
أولى المشكلات هي الاحتكار، ثم إن التوعية العقارية تنعدم للدرجة التي يعتقد البعض أن غلاء السكن والعقار في السعودية يبرر شراء المنازل في مصر، أو تركيا، أو غيرها لغرض الاستهلاك، ولا توجد توعية للاستثمار في عقارات واقتصادات الوطن، فتذهب الاستثمارات ضالة لبلاد أخرى، فهوس السعوديين والخليجيين بشراء بيوت في بلاد عربية وأجنبية غير طبيعي، وسببه تعذر تحريك الاستثمارات الصغيرة في العقار داخل الوطن، مع أن الشراء في بلاد أخرى مغامرة اقتصادية غير محسوبة تهدر كثيرا من المال.
قال أوائلنا في مثل بليغ "أرض ليست ببلادك لا لك ولا لأولادك"، والمعنى منزلك في بلاد الآخرين وإن ملكته فهو ليس لك، وفي السنين الأخيرة وفي المنتجات السياحية ظهر تسويق عقاري للسياح السعوديين متوسطي الدخل، يشترون عقارات "مسترخصينها" قياسا إلى العقار في السعودية، لكنهم ينسون أنها ليست لهم، ولا لوطنهم، ولا لأولادهم، بل هي في النهاية لأهل الأرض.
الناس أحرار في مالهم، لكن توعية هؤلاء حول هدر سياحي تجاوز السفر واستئجار فندق، لوهم أنك تملك بيتا في بلاد غير بلادك للسياحة، وليس للإقامة، أمر مفرط وغير مدروس، واستئجارك بيتا لفترة السياحة هو الحل الصحيح.
العقار المحلي وراء هوس السعوديين بمنزل ولو في الغربة، فمتى نجد الإعلام الذي يستطيع بث التوعية الصحيحة حول العقار بدل النزف المالي غير المنطقي؟ فمنزل المواطن يجب أن يكون في وطنه وليس في تركيا أو غيرها من بلاد الله.
بعض العقاريين صرح لي بأن الرسوم على الأراضي البيضاء ستحرك العقار، وقال آخرون إن الرسوم ستضاف إلى قيمة الأرض وترفع سعرها للمستهلك.
في كل الأحوال حال العقار إلى اليوم: جمهور منتظر لسكن استهلاكي معقول، وأراض مجمدة للهواء والشمس؛ لأنها ثروات مجمدة لأصحابها، وقضية سكن المواطن تشغل هاجس القيادة وهي أولوية، ولا أحسب الأمر سيطول لتجد قضية الاحتكار العقاري الحلول؛ لأن تاجر العقار نفسه بدأ يتضرر من هذا الوضع الجامد.