وظيفة بلا دور .. «نائب المدير»

يبدو دور مساعد المدير، أو نائب المدير، منصبا لا يحمل الكثير من "البريق" في عالمنا العربي. على الرغم من أهمية وجود شخصية قيادية قريبة من كفاءات المدير في المنظمة، تقوم على تسيير مهام العمل اليومية، وتتابع تنفيذ القرارات والتوجيهات الصادرة من المدير، وتحل محل المدير في حالة غيابه ــــ لسبب أو لآخر ــــ عن المنظمة. إلا أننا نجد أن كل هذه الأدوار على الرغم من أهميتها لا تشجع مدير المنظمة على أن يمنح صلاحية تنفيذها لمساعده في أغلب الأحوال، ما جعل الانطباع عن مثل هذه الوظائف سلبيا للوهلة الأولى، ما لم يحدث العكس. بل أصبحت في كثير من الأحيان أشبه بـ "الوظائف بلا دور"!
في الوقت الذي يفترض أن يكون "المدير" في منظمته محفزا للعمل، ومفعلا لكل الطاقات والكفاءات التي يمتلكها. وحيث إن "المساعد أو النائب" من أهم هذه الطاقات، نظرا لما ذكرنا من قربه من كفاءات وجدارات المدير، والتصاقه به في المستوى الإداري. إلا أن ما نراه في منظماتنا العربية، هو شيء يشبه "التهميش" لهذا الدور! الأمر الذي يسبب تفريطا في إحدى الطاقات المهمة في المنظمة، التي ربما لو استثمرت بالشكل المناسب، لانعكست على المنظمة بعوائد كبيرة للغاية.
ما نراه من علاقة للمدير بنائبه في عالمنا العربي، لا يعدو تلك الرقابة الصارمة، والتعليمات الجامدة، واحتكار للمعلومات لدى المدير خوفا من فقدانه السلطة والهيمنة. ليجد "النائب" نفسه مكبلا بقيود لا سبيل للخلاص منها! الأمر الذي يجعل من تطبيق مفهومي "التفويض والتمكين" ضربا من الخيال، وأحلام اليقظة!
قاعدة إدارية لا بد أن يعيها جميع المديرين في المستويات الإدارية كافة: ليس المدير الناجح هو من يستطيع فرض وجوده الأوحد في المنظمة، من خلال "نظام مركزي" يسبب له ولمنظمته الكثير من المتاعب، بل هو من يستطيع أن يتخفف من الكثير من تلك التفاصيل الصغيرة، والأعباء الإدارية "الداخلية بالذات"، ليتفرغ للتخطيط بعيد المدى والبحث عن الفرص والشراكات "الخارجية"، التي تعين المنظمة على نموها وتحقيق رسالتها وأهدافها وغاياتها العليا.
ليست هذه الفائدة الوحيدة التي سيجنيها المدير من تفويض الكثير من الأعمال للمساعد. علاوة على ذلك، سيقدم المدير لمساعده فرصة عظيمة للممارسة والتدريب على مواجهة تحديات المنظمة، والإسهام في حلها، وخاصة تلك التي تحتاج إلى مراجعة الأنظمة واللوائح الداخلية وتطوير العمل. الأمر الذي سيخلق لدى المساعد انتماء واستعدادا لتولي مسؤوليات أعلى، كما سيتيح له تأدية عمله على أكمل وجه كمساعد للمدير في حال وجوده، ونائبا عنه في حال غيابه. إضافة إلى خلق جاهزية كبرى لتسلّم إدارة المنظمة في أي وقت!
هل قلنا "تسلّم إدارة المنظمة في أي وقت"؟! نعم، فيبدو أن هذا الأمر بالذات هو المشكلة والعقبة الرئيسة التي تمنع حدوث "الحالة المثالية" في تبادل الأدوار وتكاملها بين المدير ونائبه. ولأن معرفة السبب تبطل العجب، فسبب أزمة العلاقة المتبادلة بين النائب ومديره، هي شعور الأخير في كثير من الأحيان بالقلق من بروز النائب بسبب التكليفات القيادية التي سيتولاها، ونجاحه فيها. وبالتالي، يخشى أن ينافسه على كرسيه! فيقوم حينها بالإجراء الخطأ، من خلال تكليفه بأدوار بسيطة وضعيفة، وليست في جوهر أهداف المنظمة، أو يقوم بعزله بالكلية عن معظم أهداف المنظمة وأنشطتها الرئيسة.حالة القلق هذه طغت على واقعنا الإداري، وربما ساهم مع هذه الحالة، كثير من الأسباب التي جعلت "الصالح العام" يبدو وكأنه ثانويا جدا بالنسبة للمصالح والمقدرات الشخصية! كل ذلك أحدث الكثير من الفجوات في العلاقة بين المدير والنائب، على حساب"المنظمة"! والتي تعد الخاسر الأكبر الذي لم يتمكن من استثمار طاقاته ورفع إنتاجيته من ناحية، ومن الناحية الأخرى لم يستفد من حجم الفرص التي كان للمدير أن يستحوذ عليها، لو كان متخففا من أعبائه الإدارية الروتينية داخل المنظمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي