قطاع الأعمال الصغيرة البريطاني يؤيد البقاء في الاتحاد الأوروبي
لا تزال هناك حالة من الجدل في بريطانيا حول عضويتها في الاتحاد الأوروبي، ويثور تساؤل حول أيهما يحقق المصلحة الاقتصادية للبلاد البقاء أم الانسحاب.
ورغم أن النقاش حول هذا الموضوع قد يتراجع أحيانا في اهتمامات الأوساط الاقتصادية والسياسية، نتيجة بروز قضايا أكثر إلحاحا، إلا أنه ما يفتأ أن يعود مرة أخرى سريعا إلى مقدمة الأحداث.
وبعيدا عن الحجج والبراهين التي يقدمها كل طرف لدعم وجهة نظره بأن البقاء أو الانسحاب سيعود بفائدة اقتصادية أكبر على المجتمع، فإن الخلاف الدائم انصب على مدى دعم قطاع الأعمال الصغيرة لهذا التيار أو ذاك.
لكن الاستطلاع الأخير الذي قام به اتحاد الأعمال الصغيرة في بريطانيا، تضمن ولأول مرة عينية كبيرة، لمعرفة موقفها بشأن تلك القضية الاقتصادية المصيرية.
وضمت العينة نحو 6263 من أصحاب الأعمال الصغيرة، وكشفت نتائجها عن انقسام حاد داخل هذا القطاع الاقتصادي الحيوي والمؤثر بشكل كبير، في مصير الاستفتاء المقرر تنظيمه لاستطلاع آراء البريطانيين في البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الانسحاب منه.
وتمثلت أبرز النتائج في أن 47 في المائة من أصحاب الأعمال الصغيرة سيصوتون لبقاء المملكة المتحدة عضوا في الاتحاد، بينما سيدعم 41 في المائة عملية الانسحاب، فيما لم يحسم نحو11 في المائة من العينة محل الاستطلاع موقفهم بعد.
وأوضح لـ "الاقتصادية"، ميتشل مات نائب الرئيس التنفيذي لاتحاد الأعمال الصغيرة، أن نتيجة الاستفتاء تكشف بشكل واضح أن التصورات السابقة بأن أصحاب الأعمال الصغيرة في بريطانيا يدعمون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، لانعكاساته السلبية على مصالحهم الاقتصادية والتجارية خاطئة.
وأضاف ميتشل أن هذا الاستطلاع على ما أعتقد سيغير وجهة نظر العديد من السياسيين والاقتصاديين الذين راهنوا على دعم أصحاب الأعمال الصغيرة للتيار الرافض لفكرة البقاء في الاتحاد الأوروبي.
إلا أن جوردن جان العضو في اتحاد الأعمال الصغيرة وأحد القادة الداعمين لفكرة الانسحاب لديه وجهة نظر مختلفة، حيث يرى أن النسبة بين التيارين ليست كبيرة وأن أكثر من 10 في المائة لم يحسموا أصواتهم بعد، كما أنه يجب أن نأخذ في الحسبان أن العينة أظهرت أن 50.5 في المائة يعتقدون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون مفيدا للاقتصاد ككل، وأنه على الرغم من ذلك فإن جزءًا منهم رفض أن يصوت للانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
وأضاف جوردن جان لـ "الاقتصادية"، أن المشهد سيتغير خاصة بعد أزمة اللاجئين والضغوط الاقتصادية التي ستسببها لبريطانيا، والتي سيتحمل نتائجها صغار رجال الأعمال على حد قوله.
ومع هذا فإن البعض يعتقد أن أخطر ما أظهره الاستطلاع، هو حالة الانقسام الجغرافي تجاه تلك القضية الحساسة، فبينما صوت نحو 60 في المائة من أصحاب الأعمال الصغيرة في اسكتلندا للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، فإن جزءا كبيرا من أصحاب الأعمال الصغيرة الإنجليز أيدوا فكرة الانسحاب.
ويعتقد البعض أن ذلك يكشف حالة الانقسام وتضارب الرؤية والمصالح بين الاسكتلنديين والإنجليز بشأن العضوية في الاتحاد الأوروبي.
ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور كولن ماك كولم أستاذ الاقتصاد البريطاني في جامعة بروملي، إن الأمر يعود إلى أن الشركات الصغيرة في اسكتلندا ترتبط بعلاقات تجارية - سواء بالاستيراد أو التصدير- مع الاتحاد الأوروبي أقوى من نظيرتها الإنجليزية، وأضف إلى ذلك أن الشركات الإنجليزية تشتكي دائما من أن البيروقراطية الأوروبية تعيق نموها. وأشار كولن ماك إلى أن الاسكتلنديين يتخوفون على الجانب الآخر من أن يؤدي الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلى انحياز البيروقراطية البريطانية لجانب صغار رجال الأعمال الإنجليز، ومن ثم لن يكون هناك شيء يربحوه بينما سيخسرون علاقتهم التجارية المميزة مع الاتحاد الأوروبي.
وزادت نتيجة الاستطلاع من الجدل الدائر حول المخاطر أو المكاسب الاقتصادية التي ستحققها بريطانيا من الانسحاب أو البقاء في الاتحاد، فعدد مهم من كبار الاقتصاديين وبعض كبار المسؤولين في القطاع المالي، وجدوا في نتيجة الاستطلاع مؤشرا على شعور نسبة ملموسة من صغار رجال الأعمال بالقلق والخوف، من أن يؤدي الانسحاب من الاتحاد الأوروبي إلى تقليص حجم التجارة الخارجية، والإضرار بمصالحهم الاقتصادية المباشرة، خاصة وسط قناعة الكثيرين من أن أوروبا وتحديدا ألمانيا وفرنسا لن تقفا مكتوفتي الأيدي حيال القرار البريطاني، وأن عملية الانسحاب ستترافق مع ما يشبه القطيعة الاقتصادية مع أوروبا، التي ستقلص حجم تجارتها مع بريطانيا، وستقوم بفرض رسوم تجارية مرتفعة عليها.
على صعيد آخر، فإن التيار الداعي للانسحاب من عضوية الاتحاد الأوروبي، اعتبر أن تلك الادعاءات يتم تضخيمها والمبالغة فيها، وأن العلاقة الراهنة مع أوروبا علاقة منفعة اقتصادية، ولن يكون لدى الاتحاد الأوروبي المقدرة على تقليص تجارته مع المملكة المتحدة لفترة طويلة، كما أن هناك العديد من البدائل الاقتصادية أمام بريطانيا، لا يتم تفعيلها الآن بسبب العضوية في الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن فوائدها التجارية والاقتصادية ربما تتجاوز ما تجنيه بريطانيا من عضويتها في الاتحاد.
وتقول لـ "الاقتصادية"، الدكتورة ليندا ليدل المحللة الاقتصادية وعضو حزب المحافظين، إنه رغم أن الحزب لم يتبن رسميا موقفا داعماً للخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أن التيار المؤيد للبقاء في الاتحاد يشن حملة ترهيب اقتصادي، لإثارة فزع رجال الأعمال بأن الوضع الاقتصادي سيتدهور إذا ما خرجت بريطانيا من عضوية الاتحاد، وهذا غير صحيح.
وأضافت ليدل أنه قد تكون هناك بعض العثرات إذا ما صوت الناخب البريطاني لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، لكنها عثرات لفترة محدودة نتيجة التكيف مع عملية الانتقال من شركاء تجاريين تقليديين وهم أعضاء الاتحاد الأوروبي إلى شركاء جدد سيعودون علينا بفائدة اقتصادية تتجاوز ما نجنيه من علاقتنا الأوروبية الآن.
وأشارت ليدل إلى أنه نتيجة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإن بريطانيا لم تفعل علاقاتها التجارية والمالية والاقتصادية مع دول الكومونولث، ومن بين هذه الدول أستراليا ونيوزيلندا والهند وباكستان وجنوب إفريقيا وكينيا ونيجيريا، وهذه الدول تدخل ضمن فئة الاقتصادات الناشئة، وربما تواجه بعض المصاعب الآن، لكن بنيتها الاقتصادية باتت من القوة بحيث يمكن مع دعم بريطانيا لها أن تحقق إنجازات اقتصادية تعود علينا وعليهم بالنفع.