معضلة المصانع الصغيرة
لكل قطاع معوقات سواء في الدخول للسوق أو في المنافسة أو التشريعات الحكومية التي تنظم هذه السوق، ولكل قطاع قيمة مضافة يضيفها للاقتصاد الوطني ككل من ناحية الخبرات أو نقل التقنيات من الخارج إلى داخل البلد. هذه المقدمة فقط لإيضاح أن لكل قطاع همومه الجديرة بالكتابة عنها، إلا أنني أريد التركيز على القطاع الصناعي.
من خصائص القطاع الصناعي ارتفاع تكلفة الدخول للسوق، فتجهيز مصنع من النواحي التقنية واللوجستية والدخول في مراحل التشغيل التدريجية ليس بالأمر الهين أبدا، فإذا كان تجهيز فرع لأحد المصارف يستغرق ستة أشهر من البدء بالبناء إلى الافتتاح، فإن تجهيز مصنع والمرور بكل هذه المراحل يحتاج لأكثر من 18 شهرا كحد أدنى – ويعتبر هذا الوقت قصيرا جدا – مع ما يصاحبه من مصاريف قبل التشغيل والتدريب والمصاريف الثابتة خلال هذا الوقت. وبعد تجهيز المصنع يتطلب ضخ مبالغ طائلة لتوفير رأس المال العامل لمدة لا تقل عن عام. كل هذا وأنت لم تبدأ بالإنتاج بعد، بعكس تجهيز السوبر ماركت مثلا الذي لا يحتاج إلى عمالة ذات مهارة عالية أو مدة طويلة للتشغيل، إضافة إلى انخفاض رأس المال العامل.
اليوم تواجه المصانع الصغيرة التي يراوح رأسمالها المدفوع والتشغيلي بين مليون وخمسة ملايين، عقبات كبيرة تحولها إلى أطلال. هذه الفئة من المصانع لا تتحمل أن تكون في المدن الصناعية، لأن رأسمالها لا يكفي للبناء، ولا تحتاج لمساحات كبيرة، و ليست منتجة لأي نوع من أنواع التلوث الكيماوي. أيضا، لا تتحمل هذه الفئة من المشاريع الصناعية أن تدفع إيجارات عالية للمصانع الجاهزة التي توفرها هيئة "مدن"، ففي الشرقية مثلا، تبعد أقرب مدينة صناعية فيها أراض جاهزة أكثر من 50 كيلومترا عن الدمام، وأكثر من 80 كيلومترا عن راس تنورة. تواجه هذه الفئة من المصانع إجراءات تعسفية وتعجيزية من قبل البلديات وشركة الكهرباء، فالبلديات لا تسمح بإنشاء هذه المصانع في المناطق الصناعية التابعة لها، ولا هي تحول هذه المناطق لهيئة مدن لتتولى الهيئة إجراءات التراخيص للمصانع الخفيفة والتحويلية. أما من جهة شركة الكهرباء، فإن قبولهم لإمداد هذه الفئة من المصانع بالطاقة الكافية من الكهرباء يمر بتعقيدات ليس أصعبها خطاب تأييد من البلدية التي ليس لها علاقة لا من قريب أو بعيد بمعرفة الطاقة الكهربائية التي يحتاج إليها المصنع، عوضا عن أنها لا ترغب في وجود هذا المصنع من الأساس. أما تلاعب مكاتب العمل بتحديد عدد العمال اللازمين لتشغيل المصنع فيحتاج إلى مقال منفصل.
إن أصدق أنواع الاستثمار وأكثرها فائدة لهذا البلد هو الاستثمار الصناعي لما له من قيمة مضافة وإيجابية على الاقتصاد الوطني ومعالجة البطالة، وأيضا هو أكثر أنواع الاستثمار صعوبة من ناحية مالية ولوجستية، إذا ألا يستحق هؤلاء المستثمرون الذين يحلمون بتحويل هذا البلد إلى بلد صناعي أن تمد وزارة الصناعة والتجارة يدها لهم لتخلصهم من هذه العقبات التي يواجهونها من البلديات وشركة الكهرباء؟