11 سبتمبر والحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات
من يراقب الوضع من كثب يدرك النقلة النوعية التي حدثت في العلاقات الإسلامية- الغربية من خلال انعقاد المؤتمر الذي عقد في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول حوار الأديان والثقافات والحضارات.
والحق يقال إن علاقة الغرب بالإسلام والمسلمين لم تكن على أحسن حال حتى قبل 11 سبتمبر 2001. بل إن أحداثاً سابقة مثل التفجير الذي حدث لبرج التجارة العالمي (في نيويورك) في السابق، وتفجير بعض السفارات الغربية، إلخ، قد شكلت بذور الصدع الذي حدث لتلك العلاقة.
ولقد لعب التطرف دوراً بارزاً في هذا الشأن، ولم يكن ذلك التطرف مقتصرا على السبل التي أدت إلى تلك الأحداث على أيدي مسلمين فحسب؛ بل لقد كان في الغرب كذلك متطرفون. فعلى سبيل المثال، لعب الإعلام الغربي -من خلال بعض رموزه- دوراً في إنعاش الشك والتشكيك بالمسلمين؛ بحيث أصبح - مثلاً- ينظر إلى المسلمين - ذوي الملامح الشرق أوسطية - المسافرين على رحلات إلى (وعبر) المطارات الغربية بنظرة الشك والريبة. وكذلك كان للتطرف وجود حتى في الأوساط التي من المفترض أن تكون حدة التطرف فيها أقل؛ بحيث أصبح - مثلاً- للأوساط الأكاديمية الغربية متطرفون. وما نظريات صامويل هنتنجتون – وغيرها مما صب في هذا الاتجاه- إلا أمثلة واضحة على الأشكال الأخرى التي من الممكن أن توصف بالمتطرفة.
أتت أحداث 11 سبتمبر بالقشة التي كسرت ظهر البعير، أو كما يقول كذلك العرب؛ أتت بصب الزيت على النار. بذلك زادت حدة التطرف والتعصب بعد تلك الأحداث، والذي يعرف الجميع الترتيبات التي نتجت بناءً عليها. والخطير في الآمر أنه كان لهذه التطورات نتائج سلبية في الشرق وفي الغرب على حد سواء. وما أخطر في أن يتم التطاول على رسول الله - صلى الله علية وسلم -، من أحد متطرفي الإعلام الغربي. يضاف إلى هذا استفحال ظاهرة الإسلامفوبيا، وهي الظاهرة التي جعلت حتى المتطرفين السياسيين يتطاولون على الإسلام والمسلمين؛ وما مقولة رودي جولايني في مؤتمر الحزب الجمهوري الأخير إلا مثال على ذلك.
لا يختلف اثنان على هوة وعمق الصدع الذي أحدث في علاقات الإسلام والمسلمين والغرب. ومن هنا كانت الحكمة تقتضي إيجاد وسائل وسبل فعالة لرأب ذلك الصدع. بهذا انطلقت المبادرة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين الأديان. وهي الاستراتيجية التي بدأها – حفظه الله - بحوار شامل بين المسلمين أنفسهم في مؤتمر مكة الذي عقد برعايته، والذي أتبعه كذلك برعايته لمؤتمر مدريد، ومن ثم بالتتويج في المؤتمر الخاص الذي عقد -هذه الأيام- في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة.
شكلت محاور الخطابات والآراء التي دارت في المؤتمر، إلى جانب الحديث الذي دار بين خادم الحرمين الشريفين وبين الذين شاركوا في مؤتمر مدريد؛ المنصات الحقيقية التي يمكن أن ينطلق منها التحسن المأمول للعلاقات الغربية-الإسلامية.