hamzaalsalem@gmail.com
كثرت الأحاديث و النقاشات حول زيادة الرواتب. و للأسف كما هو الغالب في أي موضوع اقتصادي يطرح للنقاش، تؤخذ نظريات الغرب الصالحة في مجتمع اقتصادي رأسمالي متطور ومنتج كالولايات المتحدة و أوربا ثم تطبق على المجتمع الاقتصادي السعودي. النظريات الاقتصادية، قبل تطبيقها على أي مجتمع اقتصادي، يجب أن يراعى عند تطبيقها جميع الافتراضات التي أُفترضت عند وضع النظرية. كما يستلزم مراعاة المكان والفترة الزمنية التي أثبت النظرية نجاحها. وهذا مما لا يحدث ،للأسف عند مناقشة كثير من المواضيع المتعلقة بالاقتصاد الداخلي السعودي.
فعند الحديث عن زيادة الرواتب يُخلط بين التضخم الناتج عن زيادة الطلب و التضخم الناتج عن زيادة الكلفة في الإنتاج. و هناك خلط بين رفع مستوى الإزدهار المعيشي و بين الغلاء. وهناك عدم تفرقة بين النظام الاقتصادي القائم على القطاع الخاص الذي أساسه الربحية و بين النظام الاقتصادي القائم على القطاع العام. و هناك تسوية بين التفكير الاقتصادي للفرد الغربي القائم على نظام الضرائب و الاقتراض و بين التفكير الاقتصادي للفرد السعودي. كما أن هناك تجاهل للفرق بين المدى الزمني القريب و المدى البعيد. و أخيرا لا يُذكر أثر ارتفاع الإنتاجية بارتفاع الأجور، كما تُُتجاهل الآثار الاجتماعية و السياسية.
مناقشة ما اشتُهر عند الناس بأن زيادة الرواتب تؤدي إلى التضخم يمكن اختزالها تحت شُقين اثنين. الشق الأول العرض، و الشق الثاني الطلب.
فنظرياً، من ناحية العرض، زيادة الأجور لها أثران مباشران على الإنتاج. الأثر الأول ارتفاع كلفة الإنتاج، و أما الأثر الثاني فهو ارتفاع الإنتاجية. فإذا افترضنا مثلا سلعة خدمية ( استشارات) الكلفة هي أجور المستشارين فيها فقط. و لنفترض بأن الشركة قد زادت أجور المستشارين بنسبة 12% و على أثر ذلك زادت إنتاجيتهم 2%. فما هي النتيجة الحتمية لذلك إذا افترضنا سوقا تنافسية للاستشارات. النتيجة الحتمية هي زيادة كلفة الاستشارات ب 10% و هو الفارق بين زيادة كمية الإنتاج بارتفاع الإنتاجية و زيادة كلفة الإنتاج لزيادة الأجور. و بشكل أعم فإن زيادة الأجور ستتحول إلى زيادة لتكاليف الإنتاج مما سيؤدي إلى غلاء السلع و الخدمات أي التضخم وذلك من جانب العرض.
و لكن ما علاقة هذا برفع رواتب موظفي الدولة في السعودية. فخدمات الحكومة خدمات مجانية. إذن فكلفة رفع الرواتب لا تنتقل بأي حال من الأحوال إلى السلع و الخدمات. فإذن رفع رواتب موظفي الدولة لا يسبب التضخم من ناحية العرض.
لكن ما هي مصلحة الدولة في رفع أجور موظفيها؟ إن زيادة رواتب موظفي الدولة بجانب رفعها لمستوى إنتاجية موظفيها (فالأجور تدفع على مقدار هامش الإنتاجية) يحقق عدالة اقتصادية و رخاءً اجتماعيا و سياسيا. فأما العدالة الاقتصادية فمدخلها تدهور قيمة الدولار. إن نقصان القوة الشرائية للريال هو نوع من أنواع الضرائب. فأي حكومة تشكل الأجور جزءا كبيرا من ميزانيتها إذا مرت بعجز مالي، إما أن تفرض الضرائب أو تُنقص قيمة العملة والاثنان يسدان العجز و أثرهما الاقتصادي سيئ على المستوى المحلي و الدولي على تفصيل يطول ليس هذا مكانه. ولكن الشاهد أن حكومتنا الرشيدة لم تفعل ذلك عند عجزها المالي سابقا ولم تنوي فعل هذا حاضرا. و على هذا فمن العدالة إرجاع القوة الشرائية للأجور على ماكانت عليه إذا كانت الدولة ليست بحاجة إلى هذه الضربية ، والحديث ذو شجون وله بقية.