مناهجنا وحقوق الإنسان
تُعد التربية الوسيط الثقافي الأكثر تأثيراً في حياة الأمم والشعوب، وذلك من خلال أوعيتها المختلفة وفي مقدمتها المناهج، ذلك الوعاء الذي تُسكب فيه الأمة رؤاها وفلسفتها تجاه الكون والحياة والإنسان، والتربية وسيلة المجتمع للوصول إلى الصورة المثالية التي ينشدها للفرد والجماعة، أقول هذا وأنا أخشى أن يأتي يومٌ تطول فيه عصا حقوق الإنسان مناهجنا، ولا سيما أن سدنة هذه الحقوق بنسختها الغربية ما فتئوا يبشرون بها ويقدمونها كأيدلوجية لازمة التعميم والتطبيق، إن الحقيقة التي يتجاهلها الغرب أن منظومة حقوق الإنسان في الإسلام لم تمر بمخاض عسير نتيجة صراعات دموية وثورات شعبية كما هو الحال في نسختها الغربية بل هي منحة إلهية ليس لها علاقة بالتعاقدية الغربية، ليس لكائن من كان أن يسلبها أو يمنحها، وهذه النقطة بالذات نقطة مباينة مفصلية بين منظومة الحقوق في الإسلام وحقوق الإنسان في الغرب، فالتعاقد لغة يستسيغها الغرب في ظل رؤى فلاسفة العقد الاجتماعي الذي كان له أبلغ الأثر في صياغة النظام السياسي الغربي، هذا العقد الاجتماعي جاء بخلطة فلسفية جمعت وحشية توماس هوبز في كتابه (التنين) وتعاقدية جان جاك روسو ومنفعة جون لوك الذرائعية. إن المأزق الذي يعيشه الوضعيون هو تعدد التشريعات وتضخمها مع محدودية العقل والإدراك الإنساني، بينما كفل لنا الإسلام منهاج حياة قائما على مصدرية الوحيين في التلقي وبالتالي نحن أمام منظومة تشريعية تعبدية أخلاقية تضمن لنا سلامة التشريعات المنبثقة منها سواء في حقوق الإنسان أو أخلاقيات العمل أو قضايا البيئة والاحتباس الحراري أو حتى حقوق الحيوان .. ولعلي هنا أقدم بين يدي القارئ الكريم نتائج دراسة متخصصة غاية في الأهمية قام بها فريق من الأكاديميين تناولت مناهج ومقررات التعليم العام ومدى تضمينها مفاهيم ومبادئ حقوق الإنسان، وقد هدفت الدراسة إلى:
1. التعرف على مدى ما تحويه الكتب الدراسية في مراحل التعليم العام للبنين والبنات من مفاهيم حقوق الإنسان في الإسلام.
2. التعرف على ما تحويه الكتب الدراسية مما يخالف حقوق الإنسان في الإسلام.
3. تقديم تصور عن تدريس حقوق الإنسان في الإسلام في الكتب الدراسية.
وقد صمم الباحثون في التحليل دليلا لحقوق الإنسان في الإسلام احتوى على 33 حقا. وحللوا الكتب المدرسية تحليلا كميا وكيفيا مراعين أنموذجا في تدريس الحق يتكون من ستة عناصر، هي:
1- مفهوم الحق الموافق والمخالف.
2- الاستدلال للحق.
3- الثواب المرتبط بالحق والعقاب المترتب على الإخلال به.
4- ضوابط الحق.
5- صور الحق العملية.
6- التطبيقات التدريبية في الصف الدراسي على الحق
وقد تناولت الدراسة بالتحليل 189 كتابا مدرسيا في مراحل التعليم العام الثلاث الابتدائية والمتوسطة والثانوية وكانت الكتب موزعة على خمس وحدات هي وحدة العلوم الشرعية ووحدة اللغة العربية ووحدة العلوم الاجتماعية ووحدة اللغة الإنجليزية ووحدة المكتبات والبحث.
وأظهر التحليل الكمي أن الحقوق وردت 2559 مرة في الكتب المختارة للتحليل وجميعها متفقة مع حقوق الإنسان في الإسلام ماعدا مرة واحدة ففيها نظر. وكانت الحقوق أكثر ورودا في المرحلة الثانوية ثم المتوسطة ثم الابتدائية، وأكثر ورود للحقوق كان في وحدة اللغة العربية أما الورود المستقل والفرعي فكان أكثر في وحدة العلوم الشرعية من باقي الوحدات.
وأظهر التحليل الكمي تميزا في ورود حق الكرامة الإنسانية حيث كانت نسبة وروده 26 في المائة من مجموع ورود الحقوق، كما أظهر التحليل كثرة في ورود خمسة حقوق أخرى وهي حق الضمان والتكاتف الاجتماعي وحق الوالدين وحق النصيحة وحق العيش في بيئة نظيفة وحق حفظ النفس.
وأظهر التحليل الكمي ضعفا في ورود أربعة حقوق هي: حق حماية الحقوق الفكرية وحق التعبير عن الرأي وحق الخصوصية الشخصية وحق أسرى الحرب.
والتحليل الكيفي أظهر قصورا في تناول الكتاب المدرسي لأربعة حقوق هي:
1- حق التعبير عن الرأي.
2- وحق المشاركة السياسية.
3- وحق السفر والتنقل.
4- وحق الجنسية والمواطنة.
وهذا القصور ليس في أصل الحق وإنما في بعض صوره فهو قصور لا يؤثر في أصل الحق وإنما يؤثر في كماله.
كما أظهر التحليل الكيفي أن أنموذج تدريس الحق مطبق في الكتاب المدرسي ماعدا العنصر الأخير وهو التطبيقات والتدريبات العملية على الحق في الفصل الدراسي.
وأظهر التحليل أن الكتاب الدراسي أضاف حقا واحدا لم يرد ضمن دليل الحقوق وهو حق الأخوة الإسلامية، كما أضاف صورا حقوقية لم ترد في دليل التحليل وهي حق الطريق وعددا من صور التلوث البيئي ضمن حق العيش في بيئة نظيفة من التلوث البيئي وحق المطلقة ضمن حقوق الزوجين.
والدراسة تضمنت تصورا مقترحا لتدريس الحقوق في التعليم يؤكد ما هو قائم من تضمين الحقوق في المقررات الدراسية من غير تخصيص مقرر لها مع مراعاة جوانب القصور في عرض الحقوق من الناحيتين الكمية والكيفية .
هذا عرض مختصر لنتائج هذه الدراسة التي لم تعط حقها الإعلامي، والمفترض من وزارة التربية والتعليم الاحتفاء بهذه النتائج المهمة و ترجمة هذه الدراسة إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية وإهداء السفارات الأجنبية نسخاً منها، وكذا الحال للملحقيات الثقافية السعودية في الخارج، ولا غرو ولا عجب فالمطلع على سياسة التعليم في المملكة يزهو غبطةً للمضامين الشرعية والتربوية المضمنة مواد هذه السياسة وبنودها.