مختصر في زكاة العقار
الزكاة أحد أركان الإسلام تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء, وقد عُنيت النصوص الشرعية في بيان أحكامها وفضلها وخطورة منعها وتفاصيل إخراجها ومصارفها, يقول الله تعالى: ''خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها''، ويقول سبحانه: ''وفي أموالهم حق للسائل والمحروم''، وفي حديث معاذ حين بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن: ''..وأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم'', إذاً هو حق أوجبه الله ولا منة للغني على الفقير فيه، يدفعها الغني تعبداً والتزاماً لأمر الله, وفي حال منعها فهو آثم ومستحق للعقوبة الدنيوية والأخروية, فأما الدنيوية فهو مستحق للتعزير لوقوعه في معصية واضحة, بل قد ورد في الحديث تشريعُ معاقبة مانع الزكاة بالغرامة كما في الحديث: ''من أعطاها مؤتجراً فله أجره، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله..'', أما إذا شكَّل منع الزكاة ظاهرة مما يعني الاستهتار بهذه الشعيرة والسعي إلى الإخلال بهذه المنظومة الشرعية، فإن الأمر يصل إلى القتال كما قرره العلماء, وأما العقوبة الأخروية فمانع الزكاة متوعد بعذاب شديد، وقد صوره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله ''من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه ـــ يعني شدقيه ـــ ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك'' ثم تلا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الآية: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ), وهي عدالة سماوية في توزيع الأرزاق والحقوق, وهي بهذا الوصف والتأطير جزء من منظومة اجتماعية واقتصادية في تشريعنا الحنيف قبل أن نقرر أنها تطهير وتزكية للمال.
أما الزكاة في العقار فتجب في نوعين، الأول: ما تجب الزكاة في أصله، وهو العقار المُعدّ للبيع بنيّةٍ جازمة، فتجب فيه الزكاة بعد مضي سنة من تاريخ نية مالكه بيعه، ولا يلزم أن يكون معروضاً في مكتب عقاري، بل تكفي مجرد نية البيع، ويُعتبر العقار هنا من عروض التجارة، فُيقوّم (يثمن) وقت أداء الزكاة بسعر السوق، فإذا بلغ نصاباً أخرج مالكه ربع العشر من القيمة لأهل الزكاة.
والنوع الثاني: ما تجب الزكاة في غلته دون أصله، وهذا يشمل: الأراضي الزراعية، وتجب الزكاة في الخارج منها إذا بلغ نصاباً، وشروط ومقدار الزكاة فيها مفصلان في كتب الفقهاء، وكذلك: العقار المعدّ للإيجار، وتجب الزكاة في الأجرة إذا بلغت نصاباً، ولا تجب في أصل العقار، ويتم احتساب الزكاة بالطريقة نفسها المذكورة في النوع الأول، وذلك بعد مضي الحول.
وما كان خارجاً من هذين النوعين فلا زكاة فيه من العقارات، ومن ذلك: العقار المعدّ للانتفاع، كأرض، أو دار للسكن، أو استراحة ونحو ذلك، والعقار الموقوف على جهات بر عامة كالفقراء، والعقار المعدّ لتشغيل مصنع مثلاً، فإن كان المشغل هو صاحب العقار فلا زكاة عليه، أما إن أجّره فتجب الزكاة في أجرته ــ غلته ــ كما سبق، وكذلك لا زكاة في العقار الذي تردد فيه المالك، هل يبيعه أم لا, ولا زكاة في العقار في حالة ما إذا كان هناك مانع قهري يمنع مالكه من التصرف فيه كغصب له، أو دعوى فيه، لأن الملك في هذه الصورة غير تام.
وأما"المساهمات العقارية" فإنها كما هو معلوم من التجارات التي مادتها العقار بيعاً وشراءً وتطويراً وتأجيراً ونحو ذلك من الأعمال المتعلقة بها, وتُكيّف فقهاً على أنها «شركة مضاربة», وعلى هذا فإنها تُزكى كما تُزكى الشركات, فإذا كان من يدير المساهمة يزكيها فلا زكاة على المساهمين لأنه وكيلٌ عنهم في إخراج الزكاة, وأما إذا لم يزكها فيلزم المساهمين الزكاة كل حسب حصته, وتُزكى زكاة عروض التجارة.
وبخصوص المساهمات المتعثرة بسبب مدير المساهمة لتلاعبه بالأموال – مثلاً -, وعدم تسليم المساهمين حقوقهم, أو قد يكون صادقاً ولكن رفض تسليمهم حقوقهم بسبب ترقبه ارتفاع السوق, فلا زكاة على المساهمين حينئذٍ, وهذه الصورة شبيهة بما قرره بعض العلماء وعليه الفتوى من أنه لا زكاة على من كان له دين على معسر أو مليء مماطل أو جاحد, ووجه ذلك أن المُلك غير كامل هنا والمال ليس بيد صاحبه فلم تكتمل شروط وجوب الزكاة, ويرى بعض العلماء أنه يزكيه لسنة واحدة إذا قبضه.
وإذا كانت المساهمة موقفة من قبل طرف ثالث كالجهات الحكومية المختصة, فهذه – والله أعلم – انقطع حولها لأنها لم تعد عروض تجارة وليس هناك ما يوجب الزكاة فيها ,- كما إذا قطع مالك العقار نيته ببيع العقار -, ولابد من تبيّن الأمر: فإما أن تسلم المبالغ لأصحابها فيستقبلوا بها حولاً جديداً, أو تكمل المساهمة فتجب الزكاة بشروطها, أو يتعذر تسليم المبالغ لأصحابها فلا زكاة إذاً.
وفي هذا الإطار لا بد من التنبيه إلى أن البعض قد يظن أن الخسارة في التجارة - سواء كانت عقارا أو أسهما أو غيرها- : مسوغٌ لعدم إخراج الزكاة فيما بقي من المال وهذا تصور خاطئ, فالزكاة تجب فيما بقي من المال إذا كان نصابا واكتملت شروط الزكاة الأخرى ولو كانت التجارة خاسرة.
ومما يحسن التنبيه عليه في هذا الشهر الفضيل ويرتبط بالعقار عبادة عظيمة ألا وهي إيقاف العقار, فهو من الأعمال الفاضلة التي ندب الشرع إليه وحض عليه لما فيه من نفع عام مُتعدٍّ, ومشاركة في إعانة المحتاجين وبذل الخير لهم وهو يكشف عن نفس طيبة باذلة غير شحيحة، تعلم أن المال أمانة وضعه الله في يدها, وتستشعر مصائب الآخرين وكربهم, وقد أكدت نصوص الشرع على هذه الجوانب في أحاديث كثيرة, ومنها: حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ''يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ فقال أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم: تكشف عنه كربة، أو تقضي له دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، ـــ يعني مسجد المدينة ـــ شهرا، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام''. ''وإن من أفضل الأعمال التي تعود بالنفع على الغير ويبقى أثرها لمدة طويلة: الوقف على أعمال الخير, وبالذات في المناشط ذات النفع العام مثل: بناء المساكن للفقراء، وتزويج المحتاجين, ودعم الأبحاث والدراسات النافعة، وغيرها من المجالات التي يحتاج إليها المجتمع, وقد ورد في فضله الكثير من الأحاديث, ومنها: قوله تعالى: ''لن تنالوا الْبِر حَتى تنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ'' وقولُه: ''إذا مات ابن آدم انقطَعَ عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له'', وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ''أصاب عمر بخيبر أرضا، فأتى النبي فقال: أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه، فما تأمرني به؟ قال: إن شئتَ حبّستَ أصلَها وتصدّقت بها، فتصدق بها عمر أنه لا يُباع أصلها ولا يوهَب ولا يورَث، في الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضعيف وابن السبيل''. وقد استجاب الصحابة إلى هذه التوجيهات، فعن جابر قال: ''ما بقي أحدٌ من أصحاب النبيِّ له مَقدرة إلا وقَف'', أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام والزكاة.