التحول من خلال برنامج التحول الاقتصادي

تستمر العملية التي يقودها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في إحداث التغيير لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية والارتقاء بالأداء الاقتصادي للحكومة لتحقق تطلعات المواطنين. ففي 25 أبريل 2016 أعلنت رؤية المملكة 2030 التي ارتكزت على ثلاثة مقومات رئيسة تتمثل في العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية الرائدة، وربط القارات الثلاث. وقد أشرت في حينه إلى أن التحدي الأكبر هو وضع هذه الرؤية موضع التنفيذ، خصوصا أن الرؤية وضعت أهدافا طموحة جدا لتحقيقها خلال فترة تعد قياسية مقارنة بتجارب الدول الأخرى. لكن الأهداف الطموحة التي وضعتها الرؤية يقابلها برنامج تنفيذي طموح بدأ بإعادة هيكلة واسعة لعدد من الوزارات والجهات الحكومية لتتناسب هياكلها التنظيمية مع أهداف الرؤية، ومن ثم وضع إطار لحوكمة الرؤية، وأخيرا برنامج خطة التحول الاقتصادي التي أعلن عنها في أول أيام شهر رمضان المبارك.
فبدءا من إعادة الهيكلة التي شهدتها المملكة في السابع من أيار (مايو) 2016 التي أعادت ترتيب القطاعات الحكومية المختلفة لتتناسب مع مقومات "رؤية 2030" والأهداف الرئيسة لها التي تتوزع على ثلاثة محاور رئيسة: مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح. فقد أسهمت هذه الهيكلة في تحقيق التناغم والانسجام بين القطاعات الاقتصادية المختلفة لتعمل في اتجاه واحد لتحقيق "رؤية 2030". على سبيل المثال، فإن إعادة هيكلة وزارة البترول لتصبح وزارة للطاقة والصناعة والثروة المعدنية، سيسهم في تحقيق الارتباط بين السياسات الصناعية وسياسات الطاقة بمفهومها الواسع الذي يشمل البترول والطاقة المتجددة، هذا إضافة إلى تنمية الموارد المعدنية. وهذا بدوره سيسهم في حشد هذه القطاعات الثلاث لتعمل بشكل متسق لتحقيق أهداف التنويع الاقتصادي. كذلك، فإن إعلان تأسيس الصندوق السيادي للمملكة يصب في تحقيق هدف العنصر الثاني من مقومات الرؤية والمتعلق بوضع المملكة كقوة استثمارية رائدة. أضف إلى ذلك ربط السياسة الزراعية بالسياسة المائية من خلال دمج الوزارتين معا، وربط الحج بالعمرة ليساهم في تحقيق هدف العنصر الأول من مقومات الرؤية، وربط الشؤون الاجتماعية بالعمل.
وفي حين كان الجميع، سواء من داخل المملكة أو من خارجها، متفائلين بهذه الرؤية وعناصرها الطموحة، إلا أن التساؤل الملح دائما كان حول إمكانية وضعها موضع التنفيذ. والسبب في ذلك أن المملكة لديها جهاز حكومي كبير وسيكون من الصعب جدا حشد جميع جهود هذا الجهاز الضخم لتعمل وفق رؤية واحدة ونحو أهداف محددة، حيث كان الرهان دائما على أن هذا الجهاز وإمكاناته الحالية لا تتناسب مع أهداف الرؤية الطموحة. لكن جاء الإعلان خلال الأسبوع الماضي عن إطار حوكمة الرؤية الذي يمثل آلية تمكن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية من متابعة وقياس وإعادة توجيه لأداء الجهات الحكومية بما يحقق الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها "رؤية 2030". فمن خلال ثلاثة مستويات من الحوكمة تتمثل في وضع الرؤى والتوجهات على أعلى مستوى، ومن ثم مستوى وضع الاستراتيجيات، وأخيرا مستوى الإنجاز من خلال الجهات الحكومية المختلفة وقياس أدائها بشكل مستمر، يمكن التحقق من توجه هذه الجهات بجميع مواردها للعمل على تحقيق الأهداف والتعرف على المعوقات أو التأخير بشكل مبكر ليتم التدخل في الوقت المناسب. وقد وضعت آلية للتصعيد تساهم في حل المشكلات والتغلب على المعوقات التي تواجهها الجهات في عملية التنفيذ لتحقيق أهدافها المرتبطة بتحقيق "رؤية 2030".
وأخيرا، أعلن في الأول من رمضان برنامج التحول الاقتصادي لـ 24 جهة حكومية لتحقيق أهداف مرحلية في عام 2020. ويمثل هذا البرنامج المستوى التنفيذي من برامج "رؤية 2030"، ويركز على تطوير وتعزيز كفاءة العمل الحكومي من خلال منهجية تساهم في تحديد الأولويات الاستراتيجية والتحديات ومؤشرات الأداء ومقارنتها على المستويين الإقليمي والعالمي. وبناء على ذلك تضع الجهات الحكومية مجموعة من المبادرات التي تساهم في تحقيق الأهداف المشتركة لبرنامج التحول الاقتصادي التي تشمل زيادة الفرص الوظيفية في القطاع الخاص بـ ٤٥٠ ألف وظيفة خلال فترة البرنامج، وتعزيز المشاركة مع القطاع الخاص بما يوفر أكثر من ٤٠ في المائة من الإنفاق الحكومي، وتعظيم المحتوى المحلي في الإنتاج من خلال توطين ما قيمته 270 مليارا في المحتوى المحلي بما يزيد التوظف ويرفع القيمة المضافة للاقتصاد، والمساهمة في التحول الرقمي من خلال عدد من البرامج والمنصات الرقمية التي تسهم في تحقيق هذا الهدف.
من الصعب جدا الإلمام بكل جوانب برنامج التحول الوطني في مقال واحد، لكنه في المجمل يمثل نقلة في الجهاز الحكومي ككل لمرحلة جديدة ومنهج جديد يعمل جميعا بشكل متسق لتحقيق أهداف مرحلية لـ "رؤية 2030" خلال فترة محددة. فهو يمثل إطارا تعمل فيه الأجهزة الـ 24 المختلفة، كل فيما يخصه، في سبيل تحقيق أهدافها. وخلال المؤتمر الصحفي الأول للوزراء حول برنامج التحول الاقتصادي كان السؤال الأكثر طرحا خلال المؤتمر يتعلق بالرقابة على تنفيذ البرنامج. ومعايير الأداء التي وضعتها كل جهة حكومية، ستكون هي الآلية التي سيتم من خلالها مراقبة أداء هذه الجهات الحكومية من قبل مركز قياس الأداء الذي يمثل أحد عناصر إطار الحوكمة لـ "رؤية 2030". وإطار الحوكمة كما أشرت يمثل دائرة متكاملة للتقرير عن المشكلات والمعوقات التي تواجه كل جهة حكومية وتضمن حل هذه المشكلات خلال فترة زمنية قصيرة، ما سيضمن مضي الجهات الحكومية جميعها في مسار واحد يتجه إلى تحقيق أهداف "رؤية 2030".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي