المخاطر في الصناعة المالية
التغيرات السريعة الحاصلة بسبب التطور التقني تلقي بظلالها على مختلف القطاعات الاقتصادية. إحدى أهم القطاعات وأكثرها حساسية لهذه التغيرات هو القطاع المالي، نظرا لأنه يلعب دور المنظم لحركة السيولة وكفاءتها في الاقتصاد. وبالتالي فإن عليه إدارة المخاطر بشكل مختلف عما اعتاد عليه سابقا. فأساسيات إدارة المخاطر تعتمد على قدرة المنشأة في تحديد المخاطر وقياسها وتصميم وسائل للحد من المخاطر. هذه المنهجية تعتمد في أساسها على البيانات التاريخية والحوادث السابقة في تقدير ما قد يقع مستقبلا. ولكن مع زيادة التحول الرقمي وارتفاع وتيرة التغيير، فإن هذه المنهجية باتت تفقد صلتها بالواقع الذي تعيشه هذه الصناعة.
إحدى أهم التحديات التي تواجهها الصناعة المالية في أعقاب الأزمة المالية العالمية هي زيادة مستوى التشريعيات والمتطلبات النظامية اللازمة تلبيتها. الأمر الذي أثقل عملية إدارة المخاطر بحيث أصبحت تتطلب مزيدا من الموارد التي قد تكون محدودة في معظم الحالات. وفي الوقت نفسه، أدى هذا الثقل إلى بطء في مجاراة التحول التقني وما يتطلبه هذا التحول من استباق الأحداث. فمن الضروري أن تعيد الصناعة المالية توجيه بوصلة إدارتها للمخاطر لتكون ذات نظرة مستقبلية، ولكن حتى تتمكن من تحقيق ذلك، فإن عليها اعتماد وسائل ومنهجيات أكثر رشاقة.
اعتماد نموذج عمل رشيق في إدارة المخاطر يحتاج إلى توسيع دائرة الخبرات والموارد المتاحة، لتتمكن من استقطاب الخبرات من خارج الصناعة. إضافة إلى ذلك، فإن عملية تدوير الموظفين من مختلف الإدرات المرتبطة سيعمل على تعزيز ثقافة إدراة المخاطر في المنشأة ككل، وكذلك تضافر الخبرات ونقلها، حيث يرتفع مستوى المحتوى الذي يقدمه كل عنصر على مستوى التنوع المعرفي والمهارات.
كما تحتاج الصناعة المالية إلى تطبيق تجارب التحديث التي مرت بها عديد من الوظائف المختلفة مثل إدارة العمليات وتقنية المعلومات. فعلى سبيل المثال، يمكنها إعادة تعريف حوكمة العمليات لزيادة سرعة الاستجابة. فقد مر قطاع العمليات في العقود الماضية بمرحلة ركزت على تقليص الإجراءات لتسريع العمليات، ولكن كان لزيادة التشريعات في إدارة المخاطر أثر عكسي على سرعة اتخاذ القرارات. وهو ما يمكن تحسينه عن طريق رفع مستوى المسؤولية والتمكين وزيادة سعة المخاطر للتجارب الجديدة. الأمر الذي أسهم في تطوير قطاع تقنية المعلومات وتحوله إلى اعتماد نموذج أعمال أكثر رشاقة. فطرح المنتجات الجديدة واختبارها ـــ مع سرعة استجابة عالية ـــ يمكن المنشأة من الحصول على مزيد من المعلومات واستخدامها لاستشراف المستقبل. ولكن بسبب النظرة التقليدية للمخاطر، فإن تكلفة أو قيمة المعلومات لا يأخذ في الحسبان بسبب نموذج العمل المثقل بالتشريعات. فتوافر المعلومات والبيانات والاستخدام الأمثل لها هو المحدد الرئيس للميزة التنافسية مستقبلا لأي نشاط اقتصادي.