مؤشر الأداء البيئي 2018
تحتاج المجتمعات وصناع القرارات إلى معايير تقيس الأوضاع البيئية وتساعد في صياغة السياسات البيئية. وضمن هذا الإطار تصدر جامعة ييل بالتعاون مع عدة مؤسسات بحثية والمنتدى الاقتصادي العالمي نشرة مؤشر الأداء البيئي لمعظم دول العالم "180 دولة". وتتضمن النشرة مؤشرا عاما يلخص الأداء البيئي للدول، الذي يتكون بدوره من مؤشرين رئيسين للصحة البيئية وحماية النظم البيئية. يدخل في تركيب المؤشرين الرئيسين عشرة مؤشرات أخرى تقيس أداء الدول في مجالات بيئية على رأسها جودة الهواء، ثم المياه الصحية والصرف الصحي، والمعادن الثقيلة، والغابات، والأسماك، والمناخ والطاقة، وتلوث الهواء، والموارد المائية، والزراعة، ويتم استخدام 24 معيارا فرعيا لتشكيل المؤشرات العشرة. يقيس المؤشر العام ومكوناته أداء الدول البيئي ومدى قربها من المعايير العالمية الآمنة. توضح المؤشرات نقاط الضعف والقوة لدى الدول من الناحية البيئية وترتيبها مقارنة بدول العالم وتجمعات الدول المنتمية إليها.
تصدرت سويسرا دول العالم في قائمة مؤشر الأداء البيئي لعام 2018، وذلك لتميزها في معظم المؤشرات البيئية خصوصا في مجالي جودة الهواء وحماية المناخ، ثم جاءت فرنسا والدنمارك ومالطا والسويد في المراكز التالية عالميا. يلاحظ أن قائمة الدول الـ20 الأفضل في هذا المؤشر تتشكل من دول متقدمة وغنية معظمها صغير سكانيا، وترتفع فيها معدلات الناتج المحلي للفرد، ومؤشرات التنمية البشرية، ومعدلات الأعمار المتوقعة عند الولادة. تعكس المراكز المتقدمة للدول في المؤشر الالتزامات طويلة الأجل التي تتبناها لحماية الصحة العامة، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة. في المقابل احتلت بوروندي وبنجلادش والكونغو الديموقراطية والهند ذيل قائمة 180 دولة مصنفة بيئيا بموجب المؤشر، نظرا لضعف جهود والتزام هذه الدول بالمعايير البيئية، وقلة تفعيلها، والثبات عليها. وتنقص معظم هذه الدول الإمكانات الاقتصادية والفنية، وتنخفض فيها معدلات الدخل، وقد ترتفع فيها مؤشرات الفساد ونفوذ أصحاب المصالح.
خلصت النشرة إلى احتلال تلوث الهواء قائمة المصادر المهددة للصحة العامة في بلدان العالم، حيث يفيد أحد التقارير بتسببه في ثلثي الوفيات والإعاقات الناجمة عن التلوث. وترتفع حدة الآثار السلبية لتلوث الهواء في المناطق الحضرية والصناعية للدول الصاعدة وأبرزها الهند والصين. من الإيجابيات التي حققها العالم نجاحه في حماية مواطن الحياة الفطرية بدرجات تفوق الأهداف المرجوة لعام 2014، ومع هذا فإن هناك حاجة إلى بذل مزيد من الجهود لحماية مواطن الحياة البيئية وإبعاد ضغوط الأنشطة الإنسانية عنها. خلصت النشرة أيضا إلى خفض معظم دول العالم كثافة انبعاثات الغازات الدفيئة خلال السنوات العشر الماضية، حيث قلصت 60 في المائة من قائمة دول المؤشر كثافة انبعاثات الكربون، بينما وصلت نسبة الدول المخفضة لكثافة انبعاثات الميثان وأكاسيد النيتروجين والكربون الأسود إلى 90 في المائة من الدول المصنفة. تبعث هذه التطورات الأمل بحرص العالم على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، ومع هذا ينبغي بذل المزيد للوصول إلى الأهداف الطموحة لاتفاقية المناخ العالمية في باريس عام 2015.
تشير تطورات مؤشر الأداء البيئي العالمي خلال العقدين الماضيين إلى حقيقة أن الصحة البيئية تتحسن مع النمو السكاني وارتفاع معدلات الدخل للفرد، في المقابل ترتفع الضغوط على حيوية الأنظمة البيئية مع سرعة ونمو المناطق الحضرية والنمو الصناعي. وتشير التجارب التاريخية إلى أن رشادة الحكم عامل كبير الأهمية وحاسم في الحفاظ على التوازن بين التنمية والصحة العامة والجودة البيئية.
جاءت المملكة حسب مؤشر الأداء البيئي العام في المرتبة الـ86 عالميا، ما يعد تحسنا في عدة مراكز عن الأعوام السابقة. وقد حلت المملكة في المرتبة الـ53 عالميا في الصحة البيئية، حيث سجلت مؤشرات جودة الهواء، والماء والصرف الصحي، وتلوث المعادن الثقيلة المراكز 56، 59، 110 على التوالي. تأخر ترتيب المملكة في حيوية النظام البيئي عن ترتيبها العام حيث كانت في المركز الـ122 عالميا، وذلك نتيجة لتسجيلها المركز الـ142 في الحفاظ على التنوع البيئي ومواطنه. لا تتوافر معلومات في النشرة عن غطاء الغابات في المملكة ومدى المحافظة عليها. أما في مجال حماية الثروة السمكية فقد كانت في المركز الـ76 عالميا، بينما كان مركزها "171" في مؤشر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. في مجال تلوث الهواء جاءت في المركز الـ158.
وقد احتلت مركزا جيدا في مجال موارد المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي "51 عالميا".
قد يسهم نقص المعلومات البيئية أو أخطاء قياسها في تسجيل المملكة مراكز متأخرة في بعض مكونات مؤشر الأداء البيئي، ولهذا فهناك حاجة واضحة إلى بذل مزيد من الجهود لجمع ونشر البيانات البيئية. كما أن المملكة وبناء على هذا المؤشر، بحاجة إلى التركيز بدرجة أكبر على النواحي البيئية وزيادة اهتمام المجتمع بها، وتكثيف الجهود للتصدي للتلوث وتحسين مؤشراتها البيئية. وتسهم سياسات تحسين الأوضاع البيئية في رفع رفاهية المجتمع من خلال خفض تكاليف الرعاية الصحية، وتعظيم الاستفادة من الموارد البشرية والمادية، وتحسين جودة الحياة، ودعم التنمية الاقتصادية والحفاظ على الموارد الطبيعية للبلاد. لهذا فإن منافع تحسين الجودة البيئية للمجتمع ستفوق تكاليفها.