التعليم عن بعد والعام الدراسي الجديد
في الأسبوع الماضي استأنفت المؤسسات التعليمية في المملكة عامها الدراسي 2020 / 2021، وطبعا هذا العام يختلف عن كل الأعوام السابقة، حيث إنه بدأ بنظام التعليم عن بعد، وهو أحد إفرازات التعليم المعرفي الجديد، وتؤكد مؤشرات تعليم المعرفة أن التعليم عن بعد ستكون له المكانة الرئيسة في منظومة التعليم والتنوير في كل مكان من العالم، ولذلك فإن التعليم عن بعد سيحقق مزيدا من الانتشار في كل ربوع الكرة الأرضية.
وتحت مسمى التعليم عن بعد تندرج سلسلة من المفاهيم العلمية المهمة، فهو تعليم متكامل العناصر والفعاليات بدءا من تصميم المنهج الدراسي التفاعلي، ثم التعاقد مع الكفاءات القادرة على إدارة المعرفة، وانتهاء بنظم الامتحانات والتقييم العلمي المستمر، بمعنى أن التعليم عن بعد يقوم على مهارات المعرفة الشاملة والمعرفة المتخصصة، كما يستثمر نظم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ويطوعها مع مجموعة من المعايير والمواصفات العالمية الضامنة لتقديم منهج علمي ناجح وفعال.
ويوفر التعليم عن بعد الفصول التفاعلية التي تسمح للمعلم أو المحاضر أن يلقي محاضراته مباشرة على الآلاف من الطلاب في جميع أنحاء العالم دون التقيد بالمكان، بل تطورت هذه الأدوات لتسمح بمشاركة الطلاب من كل أنحاء العالم في الحوارات والمداخلات على كل الأصعدة التي تتفاعل مع الأداء التعليمي الرقمي.
إن التعليم عن بعد هو نظام تعليمي جديد ومتطور يعتمد على استخدام إدارة المعرفة والمشاركة الواسعة للدارسين كجزء أساسي من أدوات التعليم العصري الحديث، ولذلك لا يجب أن نبسطه ونعده مجرد تغطية لأزمة عابرة كأزمة كورونا، أو هو تلبية لطلب شريحة من الناس لم تساعدهم ظروفهم على الانخراط في التعليم التقليدي، وإنما هو نظام كامل وشامل لنشر المعرفة والتعليم على أوسع نطاق.
ولقد نجحت جامعاتنا ومدارسنا - في مستهل العام الدراسي الجديد - في بناء بوابات متخصصة في تقنيات التعليم الإلكتروني التفاعلي الذكي من أجل تحقيق الفائدة المرجوة من هذا النظام التعليمي المبشر، أكثر من هذا فإن الأساس في التعليم عن بعد هو استخدام المهارات رفيعة المستوى لاقتناص المعرفة والتفاعل معها واغتنام كل الفرص التي يتيحها الفكر الافتراضي الجديد.
والواقع أن التعليم عن بعد تتوافر له منظومات إلكترونية تفاعلية وأدوات تعليمية حديثة وبرمجيات متخصصة مرتبطة بمحافظ تعليمية مزودة بكفاءات عالية المستوى حتى ترتفع برامج هذا التعليم إلى مستوى الاقتناع لدى جمهور غفير من المترددين في قبول هذا النوع من التعليم، ولا سيما أن الفرص الوظيفية بدأت تتسع أمام حاملي هذه التخصصات، بل إن المستقبل سيفتح ذراعيه أمام هذه الفئة من المعلمين.
ويجب أن نعترف بأن جائحة كورونا هي التي أخرجت نظام التعليم عن بعد من معاقله المختبئة، وأجبرت كل دول العالم على نشره وتطبيقه، حيث إن لجوء دول العالم إلى تعليق الدراسة في المدارس والجامعات، بسبب تفشي وباء كورونا ألزم الدول بتطبيق نظام التعليم عن بعد الذي كان بمنزلة المنقذ للنظام التعليمي في كل دول العالم.
إن التعليم عن بعد لم يعد مجرد تعليم في السماوات الكونية، بل هو مجموعة من العلوم الذكية والتفاعلية التي تدار من خلال عالم المعرفة بهدف تحقيق كثير من التوازنات في المجتمعات الإنسانية، وهو أيضا يعالج النقص في كوادر المدرسين والمدربين ويسد العجز في المباني التعليمية والجامعية، ويعمل على تغطية القصور في الإمكانات التي تعانيها المدارس والجامعات.
ولذلك فإن التعليم عن بعد يرسخ مبدأ مجانية التعليم ويحقق توازنات معرفية وثقافية بين كل المجتمعات الإنسانية بحيث تنتشر الثقافة والمعرفة العالمية، وتصلان إلى كل راغب فيهما بصرف النظر عن العالم الذي يعيش فيه طالب المعرفة أو الدولة التي ينتمي إليها أو الجنسية التي يحملها أو الدين الذي يدين به.
حقيقة، إن التعليم عن بعد نظام سيصبح - عاجلا أو آجلا - نظاما حتميا لا مفر منه، لأنه هو النظام الوحيد الذي يعالج مشكلة زيادة الطلب على التعليم، وعجز الحكومات عن تلبية الطلب الجارف على التعليم.
إن هذا العالم المعرفي الجديد الذي يتحرك في السماوات المفتوحة وفي كل مكان من الكرة الأرضية يحتاج إلى منظومات تفاعلية متكاملة، ولا يمكن أن يؤدي عمله على الوجه الأكمل من دون أن تكتمل منظوماته في جوانبها المتعددة من إداريين ومدرسين وفنيين من ذوي الاختصاص والمؤهلات العالية والخبرة الذكية.
وخلاصة القول، إن التعليم عن بعد هو التعليم في المستقبل، وطالما أنه تعليم المستقبل فإنه يتعين على مؤسساتنا التعليمية أن تعطي لهذا التعليم حقه من الاهتمام، وأن تنتقل به إلى المستوى الفني الرفيع الذي يتمناه كل طالب علم وكل شاب أو شابة يبحثان عن أدوار لهما في مستقبل يتشح بالغموض والتعقيد.