2023 والارتفاعات القياسية .. عالم متعطش للطاقة

 أصبح عام 2023 علامة فارقة في ارتفاع استهلاك الطاقة العالمي ودرجات الحرارة وآثار التغير المناخي وارتفاع معدل التضخم، إضافة إلى تصاعد الأزمات الجيوسياسية، ولحسن الحظ فقد اختفت آثار جائحة كورونا. وشهد عام 2023 أيضا إنتاجا قياسيا لمصادر الطاقة المتجددة، مدفوعا بتنافسية طاقة الرياح والطاقة الشمسية. لقد أصدر معهد الطاقة البريطاني أخيرا التقرير السنوي من المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية عن 2023 بمشاركة KPMG و Kearney والذي سنتطرق إليه بشي من التحليل والتفصيل. 
من الملاحظ من بيانات التقرير أن العالم قد وصل إلى استهلاك قياسي للطاقة في 2023، حيث يدفع الفحم والنفط والانبعاثات الصادرة عنه إلى مستويات قياسية. وارتفع الاستهلاك العالمي للطاقة بشكل عام إلى مستوى قياسي عالٍ بنسبة 2 % عن  2022 ليصل إلى 620 إكسا جول، بينما وصل استهلاك الوقود الأحفوري العالمي إلى مستوى قياسي بنسبة 1.5 % ليصل إلى 505 إكسا جول مدفوعا بارتفاع الفحم بنسبة 1.6 % وارتفاع النفط بنسبة 2 % إلى أكثر من 100 مليون برميل للمرة الأولى، بينما بقي الغاز الطبيعي ثابتا. 

وزادت انبعاثات الطاقة بنسبة 2 % لتتجاوز 40 جيجاطن من ثاني أكسيد الكربون لأول مرة. وارتفع معدل توليد الطاقة المتجددة، باستثناء الطاقة المائية، بنسبة 13 % ليصل إلى مستوى قياسي عالمي يبلغ 4,748 تيراواط لكل ساعة. لقد كان هذا النمو مدفوعا بالكامل من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ويمثل 74 % من إجمالي صافي الكهرباء الإضافية المولدة. بينما عززت الأزمة الروسية الأوكرانية عملية إعادة توازن الغاز في أوروبا بعد انخفاض الطلب الأوروبي على الغاز بنسبة 7 %، ولكن تجاوزت واردات الغاز الطبيعي المسال الغاز عبر الأنابيب إلى أوروبا للعام الثاني على التوالي. 

ومن المرجح أن يكون الوقود الأحفوري في الاقتصادات المتقدمة الكبرى قد بلغ ذروته، فقد انخفض الوقود الأحفوري في قارة أوروبا إلى أقل من 70 % من الطاقة الأولية مدفوعا بانخفاض الطلب ونمو الطاقة المتجددة. ولا تزال الاقتصادات النامية تكافح للحد من نمو الوقود الأحفوري، مع تسارع مصادر الطاقة المتجددة بشكل قوي في الصين. وفي الهند، فقد ارتفع استهلاك الوقود الأحفوري بنسبة 8 % وهو ما يمثل كامل نمو الطلب تقريبا وتم استخدام الفحم في الهند أكثر من أوروبا وأمريكا الشمالية مجتمعة. وفي قارة إفريقيا، فقد انخفض استهلاك الطاقة الأولية في 2023 بنسبة 0.5 % ولكن يشكل الوقود الأحفوري 90 % من إجمالي استهلاك الطاقة، في حين تشكل مصادر الطاقة المتجددة 6 % فقط من الكهرباء باستثناء الطاقة المائية. بينما أضافت الصين 55 % من إجمالي الطاقة المتجددة، أي أكثر قدرات من بقية دول العالم مجتمعة، فقد تجاوزت أوروبا على أساس نصيب الفرد من الطاقة.

إن أغلب نتائج التقرير عن عام 2023 متوقعا وتتحدث صورة الطاقة العالمية ارتفاع استهلاك الطاقة العالمي ودرجات الحرارة وآثار التغير المناخي وتعطش العالم للطاقة، مع حالة داكنة من عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي والبيئي، وأن التقدم في عملية تحول الطاقة العالمي لا يزال بطيئا بل وتخفي قصصا حدثت عبر مناطق جغرافية مختلفة. إن بعض توصيات مؤتمر كوب 28 بشأن تحول الطاقة طموحة جدا، ولذلك لم تنفذ وتُفَعّل جيدا لأسباب كثيرة تستحق التعليق عليها في مقام آخر. 
بينما سجلت قدرات إنتاج الطاقة المتجددة العالمية في 2023 أعلى زيادة سنوية لها مقارنة بأي عام آخر، لا يزال العالم متأخرا لتحقيق مستهدف رفع القدرات للطاقة المتجددة حيث أضيف 473 جيجاواط فقط في 2023 مقارنة بنحو 1100 جيجاواط من القدرة الإنتاجية المطلوبة سنويا. ومن المتوقع مواصلة ارتفاع قدرات الطاقة المتجددة في 2024 ولكن قد يكون أداء الطاقة به مشابها لعام 2023 أو أشد قسوة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي