في هذا الأسبوع يبدأ عام دراسي جديد في ظل جهود حكومية عالية ليست في التعليم فقط لكن في محاولة إعادة هيكلة سوق العمل والإقامة لخدمة اقتصاد مثمر في ظل منافسة عالمية على القدرات البشرية. استمعت إلى محادثة موسعة بالصدفة مع مسؤول إستراتيجيات في أحد المصارف العالمية ذكر أنه بدأ حياته بتعليم الفيزياء لطلاب المتوسطة والثانوية، لينتقل بعدها إلى إدارة الاستثمارات المالية ويصعد السلم الإداري بداية من 2008، ليصبح المسؤول الأول للإستراتيجية.

أول ما لفت نظري ملاحظته العامة في تأطير الاختلاف بين العلم والماليات، حيث الأول يتطلب جهودا تعاونية متواصلة بين المهتمين لتحقيق اختراق علمي، بينما المال على العكس حيث غالبا تجد نفسك في منافسة لتعظيم المصلحة على حساب أطراف أخرى في المجال. ما يجمع الاثنين هو تأسيس القاعدة العلمية المعرفية وتطوير المهارات تدريجيا أي كان الاختيار الوظيفي لاحقا. لفتت نظري المرونة العملية في الشجاعة في تغيير المهنة من ناحية وتوظيف القدرات التحليلية في العمل الجديد، كذلك لفتت نظري الخلفية الاجتماعية المتواضعة لكن حريصة على التعليم الجيد لتأسيس شخصية واعدة

العبرة من هذه المناقشة مدى أهمية الاستثمار في التعليم كأحد أنواع الاستثمار، فكثير يسأل عن أنواع الاستثمارات المالية ومحاولة معرفة الفروقات بين القنوات الاستثمارية وأحيانا تفاصيل عملية مثل محاولة قراءة الأخطار وتقدير السيولة، لكن نادرا ما يسأل أحد عن أفضل الاستثمارات التعليمية في البنات والأولاد. الحقيقة أنه تساؤل مشروع ومركب، مشروع لأن الأغلبية العظمى تعرف مدى أهمية التعليم لكن تحت هذا المدار هناك نوع من الإهمال المريح، لذلك يتداخل المشروع مع المركب في طرق عدة تفسرها كل عائلة بطريقتها بناء على ما يتم في البيت من نقاش ووجود القدوة والحالة المجتمعية ماليا وما يتيسر من سعة أفق، عوامل مركبة تنتهي برسائل طموح وحوافز غالبا معنوية. يساعد على ذلك تعليم جامعي عال غالبا سهل المنال دون منافسة عالية. حين يكون التعليم العالي سهل يبدأ بتشويه التراتبية التوظيفية ولأنه أعلى السلم. تأثير التعليم العالي دون منافسة على إنتاجية المجتمع أعمق مما يتصوره الكثير خاصة حين يتحدث بعضهم عن التعليم العالي وكأنه حق دون تمحيص و فرز في الجدراة.

الإشكالية أن أغلبية المهتمين بالتعليم يركز على التعليم العام خاصة في أول السلم لأن "المنطق" يقول لا بد أن تكون البداية من القاعدة من ثم نرتقي السلم. الإشكالية أن هذا مطلب واسع ومكلف وفضفاض بالتالي غير عملي، لذلك لن يكون نقطة البداية بالرغم من أهميته. اختلف مع هذا الطرح لأسباب تربوية حيث دور البيت أعلى، ومن ناحية عملية الأعداد أقل لذلك توصيل الرسالة عن الكفاءة مجتمعيا أقصر وأسرع، وعمليا لأن العلاقة مع العمل أوضح.

جاءت الرؤية المباركة بتعظيم دور الاستثمار في السعودية، لكن لا بد للعوائل والأفراد من مواكبة النظرة الثاقبة لعراب النهضة الحديثة ولي العهد ورئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان. الاستثمارات المالية ستبقى مهمة لكن هناك استثمارا أهم لأنه لا يعرف الوظيفة أو المدير أو المكان.