تقنيات اقتصاد المستقبل

يسعى البحث في المجالات العلمية والتقنية المُختلفة إلى تجدد المعرفة وتطويرها اكتشافاً وإبداعاً وابتكاراً. ويُعزز ذلك حركة التنمية الاقتصادية وما يرتبط بها من توليد للثروة، وتشغيل لليد العاملة، وبناء للخبرة، وتحسين لمستوى رفاهية حياة الإنسان. ويشهد عالم اليوم اهتماماً مُتنامياً بهذا البحث، وتسارعاً في مُنجزاته، وفي تفعيل عطاء هذه المُنجزات على أرض الواقع، فضلاً عن التنافس على عوائد هذا العطاء، من أجل تحقيق التنمية المنشودة. وقد استجابت السعودية لهذه الحقائق بالتوجه نحو تفعيل نشاطات البحث العلمي عبر إنشاء هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار 2021، ثُم الإعلان عن الأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار في السعودية للعقدين المُقبلين 2022.

حددت السعودية 4 أولويات وطنية رئيسة لمجالات البحث والتطوير والابتكار. وشملت هذه المجالات صحة الإنسان، واستدامة البيئة والاحتياجات الأساسية، والريادة في الطاقة والصناعة، واقتصادات المُستقبل. وحظيت هذه المجالات بدراسة استشرافية، لما يجري بشأنها حول العالم، نفذها المرصد الوطني للبحث والتطوير والابتكار 2023، بالتعاون مع خبراء مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. وقد تحدث المقال السابق عن هذه الدراسة، ودورها المهم في التخطيط للمُستقبل.

غاية هذا المقال هي طرح 7 مُنجزات تقنية، بينتها الدراسة، تم تحقيقها في مجال تقنيات اقتصاد المُستقبل، بناء على منهجية شملت: أهمية التقنية المُنجزة، ودرجة تأثيرها، ومدى الحاجة إليها، ومستوى جاهزيتها، وجاذبيتها في السوق، وفوائدها التجارية.

طرحت الدراسة نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل نموذج "ChatGPT" الشهير، وغيره من نماذج لغوية معرفية مُختلفة، كمنجزات تقنية رئيسة في مجال اقتصاد المُستقبل. فقد قدمت هذه النماذج تطبيقات مُفيدة في قطاعات معرفية مُهمة مثل التعليم، والبحث العلمي، والإعلام، والتسويق، وغير ذلك. وفي إطار نماذج الذكاء الاصطناعي أيضاً، أوردت الدراسة، وبشكل مُستقل، نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بتحسين التعليم إلكترونياً، وهو التعليم الذي يشهد اهتماماً مُتنامياً، لأنه يجمع بين ميزتين مُهمتين هُما: توسيع دائرة التعليم، إلى جانب تخفيض تكاليفه.

برزت تقنيات جيل الأقمار الاصطناعية الخامس، كمنجزات مهمة في مجال اقتصاد المُستقبل. وتمتاز هذه الأقمار بأنها محدودة الوزن، وتعمل، بأعداد كبيرة، على مدارات مُنخفضة حول الأرض، تراوح ما بين "500 و2000 كيلومتر"، مقارنة بمدار الـ "36 ألف كيلومتر" المُستخدم من قبل الأقمار الاصطناعية التقليدية المُستخدمة في الاتصالات. وتُعطي أقمار الجيل الخامس هذه أداء أفضل في الاتصالات التي تمثل عموداً رئيساً في خدمات العالم السيبراني التي تشهد ازدياداً مُطرداً في تأثيرها في حياة الإنسان.

شملت مُنجزات تقنيات اقتصاد المُستقبل أيضاً تطبيق تقنية "سلاسل الكتل" في بيانات التجارة الإلكترونية. فقد قدم هذا التطبيق حلولاً للنزاعات المالية، وقضايا الاحتيال، وجعل التجارة الإلكترونية أكثر شفافية، وأفضل كفاءة، وأعلى أماناً. وتجدر الإشارة هُنا إلى أن تطبيق تقنية "سلاسل الكتل" ورد في منجز آخر أوردته الدراسة. ويرتبط هذا المُنجز "بالحوسبة الضوئية، واستخدام الفوتونات في مُعالجة بيانات هذه السلاسل. فقد حقق ذلك كفاءة أعلى في استهلاك الطاقة، في موضوع التعامل مع العملات الرقمية.

برزت تقنيات "الواقع الافتراضي، والواقع المعزز، والواقع المُختلط" بين تقنيات اقتصاد المُستقبل. وتتمتع هذه التقنيات بفوائد كبيرة في التعليم والتدريب، والرعاية الصحية، والتجارة. كما انضمت إلى تقنيات اقتصاد المُستقبل أيضاً، تقنيات استخدام "الحوسبة الكمومية في حماية "الأمن السيبراني"، حيث تُمثل هذه الحماية ضرورة قصوى لجميع خدمات العالم السيبراني.

طرحت الدراسة، إضافة إلى ما سبق، مُنجزاً سعودياً قدمته جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. وتمثل هذا المُنجز في إنشاء "شركة ثيا التقنية التي قامت بتطوير نموذج ذكاء اصطناعي مُتقدم، يقوم بتحليل الصور، ويتمتع بتطبيقات في مجالات مُتعددة. وقد استفادت منه وزارة الثقافة السعودية في تحليـل الصـور الفوتوغرافيـة المأخوذة عبـر الأقمـار الاصطناعيـة للهيـاكل الحجريـة القديمـة والمواقـع الأثريـة.

وهكذا نجد أن جميع مُنجزات تقنيات اقتصاد المُستقبل المرصودة في الدراسة الاستشرافية، تتمتع بصفتين مُشتركتين. ترتبط أولاهما بحقيقة أن لهذه التقنيات تطبيقات مُفيدة على أرض الواقع، تُقدم عطاء اقتصادياً يُفعل التنمية المنشودة. أما الصفة الثانية فتتعلق بحقيقة أخرى هي إمكان استخدام هذه التقنيات والاستفادة منها في العالم السيبراني. وهذا ما يجعل تطبيقاتها ذات أهمية كبرى للعالم بأسره.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي