الصفقة الخضراء الأوروبية وانتفاع المستهلكين
أصبح من قبيل الابتذال أن نفسر نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو على أنها رفض للصفقة الخضراء الأوروبية والسياسات المرتبطة بها. وهذا من قبيل الخطأ أيضا: ففي توجيهاتها السياسية للمفوضية الأوروبية المقبلة، أعادت الرئيسة أورسولا فون دير لاين التأكيد على التزامها بالصفقة الخضراء، قائلة: "يتعين علينا أن نواصل حتى النهاية على المسار الذي يقودنا إلى تحقيق جميع أهدافنا".
هذا هو النهج الصحيح. يريد الأوروبيون مستقبلا أكثر استدامة، والصفقة الخضراء خطوة أولى ضرورية، ومفيدة للغاية.
على سبيل المثال: إبطاء التحول الأخضر في الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يلحق الضرر بالمستهلكين. في الواقع، وعلى عكس الحكمة السائدة، تُـظهِـر الدراسات الاستقصائية التي أجرتها منظمة المستهلكين الأوروبيين (BEUC) ومجموعات المستهلكين المستقلة وعددها 44 ضمن شبكتنا، أن الأوروبيين حريصون على تبني أنماط حياة أكثر استدامة.
ولكن كما وجد استطلاع BEUC لعام 2023، في حين يرغب معظم المستهلكين الأوروبيين في تقليل أثرهم البيئي، فإنهم يشعرون عادة بالضياع في متاهة من الادعاءات والعلامات الخضراء المضللة، وهذا يؤكد الحاجة إلى مصادر معلومات يمكن التعويل عليها. كشف الاستطلاع أن معظم المستهلكين يعتقدون أن الشركات الـمُـلَـوِّثة يجب منعها من تقديم أي مزاعم خضراء.
وهذا مهم بشكل خاص للمستهلكين من ذوي الدخل المنخفض، حيث تواصل أوروبا التصارع مع أزمة تكاليف المعيشة العنيدة. في 2022، ومع ارتفاع أسعار الطاقة إلى عنان السماء، وجدت مجموعات المستهلكين أن الأجهزة الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة من الممكن أن توفر للأسر ما يصل إلى 2450 يورو (2700 دولار) من فواتير الطاقة السنوية. وحتى في الأوقات "العادية"، مع عودة أسعار الطاقة إلى مستويات أكثر معقولية، يصبح بوسع الأسر الأوروبية توفير نحو 650 يورو إلى 1800 يورو كل عام من فواتير الطاقة بفضل التصميم البيئي ووضع علامات استهلاك الطاقة. للتخفيف من تكاليف الطاقة المرتفعة، تبنى الاتحاد الأوروبي أيضا قواعد تحمي أولئك الذين لا يستطيعون دفع فواتيرهم من فصل الكهرباء أو الغاز عنهم.
لكن تعزيز اقتصاد أخضر مزدهر مشروع طويل الأجل يتطلب تشريعات إضافية والحفاظ على التدابير القائمة لتوجيه المستهلكين نحو خيارات أكثر استدامة. لتعزيز خيارات الغذاء المستدامة والصحية، على سبيل المثال، يتعين على صناع السياسات ضمان تلبية السلع المحلية والمستوردة لمتطلبات المنتجات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، وأن اتفاقيات التجارة الحرة تتفق مع المعايير والقيم التي تجسدها الصفقة الخضراء.
يريد المستهلكون أيضا -ويستحقون- القدرة على استثمار مدخراتهم بطرق تسهم في مستقبل أكثر اخضرارا. وحتى الآن، لا توجد متطلبات دنيا لتسمية منتج استثماري "أخضر" أو "مستدام"، وهذا يؤدي إلى ما يُـسمى "الغسل الأخضر". ولكن من خلال إدخال متطلبات واضحة في إطار التمويل المستدام المعمول به في الاتحاد الأوروبي، يصبح بوسع صناع السياسات مساعدة المستهلكين على توليد أثر حقيقي باستثماراتهم.
لا شك أن تحقيق انتقال أخضر عادل سيتطلب تقديم الدعم العام للسكان المعرضين للخطر وهم يتكيفون مع اقتصاد أكثر استدامة. ومع ذلك، فإن عددا كبيرا من سياسات الصفقة الخضراء القائمة بالفعل توفر فوائد اقتصادية وصحية ملموسة تعالج بشكل مباشر مخاوف المستهلكين الأكثر إلحاحا.
إن كبح طموح أوروبا لتحقيق انتقال مستدام حقا لن يخدم إلا المصلحة الراسخة العازمة على عرقلة الإصلاحات الضرورية. ومن الواضح أن الفكرة القائلة إن المستهلكين لا يبالون بالهموم البيئية، لتيسير التحول البنيوي اللازم لبناء مستقبل مستدام ومزدهر، لا بد من تنفيذ وتعزيز الصفقة الخضراء الأوروبية.
خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.