كيف تفكر الأسواق مع خفض الفائدة؟
مع وصول أسعار الفائدة الأمريكية إلى مستويات مرتفعة، وهذا التحول في حينه أثار كثيرا من التساؤلات حول كيفية استجابة الأسواق المالية والاقتصادية الوطنية، وضجت وسائل الإعلام كثيرا من التحليلات الاقتصادية في حينه.
في البداية، ينظر إلى انخفاض سعر الفائدة كوسيلة لتحفيز النمو الاقتصادي، عندما تصبح تكاليف الاقتراض أقل، ويُقبل الأفراد والشركات والحكومات على الاقتراض بشكل أكبر، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الإنتاجية والنمو الاقتصادي، وهو الهدف الذي تسعى له الحكومات وصناع السياسات الاقتصادية، لتعزيز النمو الاقتصادي أو الهروب من شبح الركود، وهذا ما دفع الفيدرالي إلى خفض الفائدة 50 نقطة أساس يوم الأربعاء الماضي.
لكن القصة لا تنتهي هنا، مع انخفاض سعر الفائدة يحدث تحول في سوق العملات وعادة يؤدي هذا الانخفاض إلى ضعف العملة المحلية، حيث يتطلع المستثمرون إلى عوائد أعلى في أماكن أخرى، ورغم أن هذا يبدو سلبيا، إلا أن له جانبا إيجابيا أن الصادرات المحلية تصبح أرخص في الأسواق العالمية، ما يعزز من تنافسية المنتجات الوطنية بين الاقتصادات.
في عالم الاستثمار يلاحظ المستثمرون مع انخفاض الفائدة، أن العوائد على السندات والأدوات المالية التقليدية بدأت تتضاءل؛ نتيجة لذلك، يتحولون نحو الأسهم وزيادة نشاط الأسواق المالية والدفع بالأموال إلى الاستثمارات البديلة، أي الاقتصاد الحقيقي، لكن هذه التغيرات لا تأتي دون مصاعب، هناك مخاوف حقيقية من تكوين فقاعات اقتصادية ولاسيما من الدول التي كان لديها تضخم حقيقي وعرض نقدي مرتفع ومشكلات في جانب العرض لبعض قطاعاتها الاقتصادية، والدول أكثر حظا هي التي لديها مشكلات اقتصادية هيكلية أقل، واقتصادها لا يعاني اختلالا كبيرا ما بين العرض والطلب.
حيث إن هناك احتمالات لارتفاع أسعار الأصول مثل: العقارات والأسهم بشكل غير مستدام، إضافة إلى ذلك قد تستغل بعض الدول انخفاض تكاليف الاقتراض لزيادة الدين العام، ما يضع ضغوطا على الميزانيات الوطنية في المستقبل ولاسيما الدول الناشئة، وستظل آمنة تلك الديون ما لم تتجاوز ثلث الناتج المحلي.
وفي خضم هذه التغيرات يبقى التضخم هاجسا يلوح في الأفق، فبينما تسعى البنوك المركزية لدعم النمو الاقتصادي، يجب على صناع السياسات الاقتصادية الحذر من أن يؤدي ذلك لارتفاع معدلات التضخم، والدول التي لديها توافق مع الاقتصاد الأمريكي من حيث سعر الفائدة وكفاءة الناتج المحلي سيكون موضوع الخفض أمرا إيجابيا، لكن الدول التي تختلف مع النموذج الأمريكي من حيث نوع السياسة الاقتصادية وهيكل الاقتصاد وحجمه ستكون عليها مسؤولية أكبر في إدارتها الاقتصادية، أما الدول التي لديها تنوع اقتصادي وقاعدة تصديرية فستكون سياساتها الاقتصادية مستقلة نسبيا عن تبعية الفائدة الأمريكية.
وفي النهاية: تجد الأسواق العالمية نفسها في رحلة معقدة مع انخفاض سعر الفائدة، وبينما تسعى لتحقيق الاستفادة القصوى من الظروف، تبقى الموازنة بين دعم النمو وتفادي التضخم والأخطار الاقتصادية طويلة الأمد، لهذا سنرى عديدا من الدول الناشئة تحاول تجنب الصدمات الخارجية والحد من التأثيرات السلبية للتقلبات الاقتصادية العالمية، من خلال دعم الطلب المحلي وتشجيع الاستثمار المحلي وتوسيع الإنفاق على البنية التحتية، وتجنب دعم الأصول المتضخمة، بما في ذلك العقارات والعمل على جذب استثمارات أجنبية لقطاعات تنمو دوريا، ولم تحصل على نصيبها من النمو الكافي خلال الفترة الماضية.