حادثة "بوينج" .. الضربة التي قد تقصم ظهرها

حادثة "بوينج" .. الضربة التي قد تقصم ظهرها

الجمعة، تعرض ركاب رحلة خطوط ألاسكا الجوية رقم 1282 لمحنة مرعبة عندما شاهدوا قطعة من طائرة 737 ماكس 9 التي كانوا يستقلونها تنفصل وتطير بعيدا، تاركة مكانها فجوة كبيرة. وقد اتضح أن لوحة تغطي مخرج طوارئ غير مستخدم قد سقطت أثناء تحليق الطائرة على ارتفاع 16 ألف قدم تقريبا. والمثير للدهشة أنه لم يكن أحد يجلس بجانب ذلك الباب، لذلك لم تقع إصابات. لكن يقال إن طفلا كان يجلس قريبا انتزع قميصه عندما انخفض الضغط داخل الطائرة. وكان من الممكن أن يكون الأمر أسوأ بكثير.
من غير المحتمل أن يعرف السبب الدقيق للحادث قبل أن يكمل مفتشو السلامة تحقيقاتهم. لكن سواء وجدوا أن هذا خطأ أحد الموردين، أو شركة بوينج، أو لا أحد، فإن ذلك يمثل ضربة قوية لسمعة شركة الطيران والدفاع الأمريكية في فترة تترنح فيها بين حادثة وأخرى كما يبدو. وهذا يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الشركة قد تغلبت حقا على مشكلات الجودة والإنتاج التي انكشفت بعد حادثي التحطم المميتين لطائرة 737 ماكس 8 في 2018 و2019.
وفي أبريل الماضي، أعلنت شركة بوينج أن موردها وشركتها التابعة السابقة، سبيريت أيروسيستمز، ركبت قطعتين بشكل غير صحيح على جسم نماذج معينة من طراز 737 ماكس، ما أدى إلى تأخير في عمليات التسليم. وفي أغسطس، تم الكشف عن أن "سبيريت" فتحت ثقوبا خطأ في الجزء الخلفي من جسم الطائرة، الذي أدى بدوره إلى مزيد من التأخير. وفي ديسمبر، طلبت الشركة من المفتشين البحث عن براغي مفكوكة ربما كانت تصدر صوت قعقعة حول أنظمة التحكم في الدفة.
وفي الوقت نفسه، كانت "بوينج" تطلب من إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية إعفاء أحدث طائراتها، طراز 737، وهي أصغر طائرات ماكس 7، من بعض معايير السلامة المتعلقة بأنظمة مكافحة الجليد حتى مايو 2026 لتسمح لها ببدء تسليمها لخطوط الطيران. تصر "بوينج" على أنه سيتم تثبيت التعديل في جميع أسطولها. لكن، حتى لو لم تكن هذه مسألة سلامة أساسية، فليس من الجيد لشركة لها تاريخ حديث مثل "بوينج" أن تطلب استثناءات لمعايير السلامة حتى تتمكن من التعجيل في إخراج طائراتها من أبواب المصنع.
يعتقد كثيرون في الصناعة أن التركيز المبالغ فيه على الأمور المالية وعوائد المساهمين على حساب الخبرة الهندسية أدى إلى كارثة ماكس 8. وكان الرئيس التنفيذي ديفيد كالهون جزءا من الفريق الذي قاد هذه الاستراتيجية، بصفته عضوا في مجلس الإدارة منذ 2009. هذا وقد حصل على 65 مليون دولار من التعويضات والحوافز الإجمالية منذ توليه المسؤولية في 2020، واعدا بتحقيق الاستقرار في الشركة، وإعادة الطائرات من طراز ماكس إلى الطيران، وتحسين ثقافة الهندسة، واستعادة ثقة المستثمرين والعملاء.
أما على الجانب الإيجابي، فقد تمت إعادة اعتماد طراز ماكس. وقبل حادثة الجمعة على متن طائرة تم تصنيعها تحت إشراف كالهون، بدا أن أسهم "بوينج" كانت ترتفع على أمل تحسين عمليات التسليم - على الرغم من أنها كانت لا تزال تتداول دون المستوى الذي كانت عليه عندما تولى منصبه. ومع ذلك، فمن الصعب أن نرى ما الذي تم تحقيقه غير ذلك خلال أربعة أعوام، في حين تتقدم منافستها "إيرباص" عليها. وفي جميع منتجاتها تقريبا - في كلا الجانبين المدني والدفاعي من الأعمال - واجهت "بوينج" تأخيرات وتجاوزات في التكاليف ومشكلات في الإنتاج.
من جهة أخرى، تشير قرارات كثيرة اتخذت إلى أن الثقافة لدى كبار المسؤولين لم تتغير بالدرجة المطلوبة. فقد رفض كالهون النظر في الاستثمار في أي وقت قريب في طائرة جديدة تتغلب على طائرة إيرباص إيه 321 الشهيرة. كما يبدو أنه أشار إلى تفضيله الإصرار على التركيز على الهندسة وذلك بنقله المقر الرئيس إلى أرلينجتون، فيرجينيا، بالقرب من واشنطن العاصمة والبنتاجون. وفي الآونة الأخيرة، أزال المسؤول عن الاستراتيجية المؤسسية لشركة بوينج، وترك أمرها بدلا من ذلك للأقسام الفردية. وكما يشير ريتشارد أبولافيا من شركة أيرودايناميك أدفايزوري: "يخصص لقسم الاستراتيجية رأس مال شحيح بين متطلبات وحدات الشركة المتنافسة (التي تريد دائما أكثر من حصتها العادلة)". فالموارد شحيحة بالفعل، حيث يقدر نيك كانينجهام من شركة أيجنسي بارتنرز أن صافي الدين المترتب على الشركة يبلغ 38.9 مليار دولار.
وأخيرا، أدى تعيين ستيفاني بوب أخيرا، الرئيسة السابقة لشركة بوينج للخدمات العالمية، في منصب رئيسة العمليات، إلى إثارة تكهنات بأن كالهون ذا الـ66 عاما يعد لتنصيب خليفته. لكن بوب عملت في معظم مسيرتها مسؤولة مالية. لكن ما تحتاجه الشركة الآن حقا ليس قائدا آخر قد يركز على خفض التكاليف، بل قائدا لديه الجرأة للمخاطرة بتحقيق مستقبل جديد لشركة بوينج.
سيتطلب ذلك فهما عميقا والتزاما بأعمال التصنيع المعقدة التي تضيف قيمة عالية، التي تعد، داخليا وعبر سلسلة التوريد، بالغة الأهمية لأي ثقافة تركز على السلامة. كما أنه يحتاج إلى استراتيجية تجارية جريئة لإشراك المهندسين واستعادة حصتها من "إيرباص". لأنه، حتى لو ألقي اللوم في هذه الحوادث الأخيرة على الموردين، فإن الركاب لن يهتموا لذلك. وإذا كانت سلامة طائرات بوينج موضع تساؤل وشك، فإن "بوينج"، وفي النهاية رئيسها التنفيذي، سيتحملان المسؤولية.

الأكثر قراءة