هل يفقد النقد رونقه؟

هل يفقد النقد رونقه؟

كان الشيء الصحيح الذي يجب على المستثمرين فعله في 2023 هو تجاهل معانقي توقعات الإجماع المقلقين (بمن فيهم أنا) والقفز بأقدامهم إلى محفظة غنية بالأسهم الأكثر جاذبية. فنحن نعيش مرة واحدة فقط.
الإدراك المتأخر شيء رائع، لكن مع هذا، كانت ستحقق استراتيجية مثل هذه مكاسب ملحوظة. قفز مؤشر ناسداك المركب لأسهم التكنولوجيا بنحو 40 في المائة في العام، بزيادة 20 نقطة مئوية عن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 القياسي الأمريكي. كانت الفجوة أوسع بين اتجاه السوق الأوسع في أوروبا، خاصة المملكة المتحدة التي هرولت في موقعها المعتاد في مؤخرة المجموعة.
بدلا من تلك الاستراتيجية، خشي الجميع تقريبا، من المستثمرين الأفراد إلى المؤسسات الكبرى، من حدوث ركود في الولايات المتحدة وأثيرت حالة خطيرة من الذعر. كان معظمهم يدسون شريحة كبيرة من الأموال نقدا، ليس المال المادي المحشو تحت مرتبة السرير، بل أوعية المال التي يسهل الوصول إليها مثل الودائع التي تدفع فائدة وصناديق سوق المال والديون الحكومية قصيرة الأجل وما شابهها.
النقد هو الملك دائما في فترات القلق في السوق. لكن في العام الماضي على وجه الخصوص، حققت فئة الأصول المضجرة هذه أفضل عائداتها منذ جيل بفضل الارتفاع السريع لأسعار الفائدة القياسية. كان المستثمرون يتقاضون عائدا معقولا -على الأقل إذا تجاهلت التضخم- مقابل كونهم قططا جبانة، قلقين بشأن انهيار اقتصادي لم يتحقق أبدا.
هذا يترك بصمة دائمة على قرارات تخصيص الأصول. كلما يوصي مستشارون بالنظر في استثمارات طويلة الأجل يحتمل أن تكون أعلى ربحا، فإن رد الفعل هو نفسه. "لماذا تريد أن تفعل ذلك؟ لم لا تكتفي بركن النقد حتى تتضح الأمور؟" كما قالت كارين وارد، كبيرة استراتيجيي السوق لأوروبا في جيه بي مورجان لإدارة الأصول في أواخر العام الماضي: "هذا هو السؤال الذي يطرح علينا" وقالت: إن النقد لديه "جاذبية عاطفية" لا تستطيع فئات الأصول الأخرى التغلب عليها. كما إن المصرفيين ومديري الصناديق كثيرا ما يعترفون سرا بأن ثرواتهم تدخر في هذه الأنواع من الصناديق والودائع في الأيام الممطرة، وليس في الصناديق والمنتجات الممتازة التي يبنونها ويبيعونها من أجل لقمة عيشهم.
لكن المؤسسات الاستثمارية الكبرى تتخلى عن زواج المصلحة هذا. في الشهر الماضي، أظهر مسح مديري الصناديق الذي أجراه بنك أوف أمريكا أن الحيازات النقدية تقلصت لتشكل 4.5 في المائة من المحافظ، انخفاضا من 4.7 في المائة في مسح نوفمبر وأدنى مستوى منذ عامين. إن الاستراتيجيين يقرعون الطبول مؤيدين: خفضوا النقد، وتوسعوا في السندات طويلة الأجل والأسهم، حتى لو كانت جهود العام الماضي السابقة في ذلك المسعى موجعة.
منذ غير الاحتياطي الفيدرالي لهجته في منتصف ديسمبر وأشار إلى استعداده لخفض أسعار الفائدة - المحرك الرئيس لمكاسب أسعار السندات التي رأيناها بالفعل بحجم هائل – كانت هذه الاستراتيجية جيدة. لكن جوليان دوشيز، رئيس استشارات المحافظ والاستشارات في ناتيكسيس لإدارة الاستثمار يشير إلى أنه "مع خفض أسعار الفائدة النقدية، فإن المستثمرين - الذين يبقون على النقد - سيعرضون أنفسهم لمخاطر إعادة الاستثمار".
بعبارات بسيطة، فإن كل سبيكة جديدة من الأموال تتجه لتتخذ شكل النقد الآن ستكسب عوائد أقل وأقل، على افتراض أن البنوك المركزية ستبدأ في خفض أسعار الفائدة وعلى النقيض، فإن الديون طويلة الأجل تحبس العوائد. ومع ذلك، يبدو أن بعض المستثمرين الأفراد عالقون في ديدن التشبث بالنقد. يقول ماركو جيوردانو، مدير الاستثمار في شركة ويلينجتون مانجمنت: إن هذا يظهر بوضوح في محادثاته مع العملاء بما فيها شركات إدارة الثروات واختيار الصناديق. يقول: "إنهم يفهمون المبرر المنطقي للتخارج من النقد، لكنهم يواجهون صعوبات من أجل إيصال هذه النقطة إلى عملائهم الأساسيين". أفاد بعض مديري الثروات أنفسهم أن العملاء ينظرون إلى ما نجح العام الماضي - النقد وأسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية السبعة العظمى - ويترددون في التغيير.
يتفق معظم مديري الصناديق على أنه من المنطقي الاحتفاظ بشريحة من الأموال في وعاء آمن إما لاستخدامها حين تسنح الفرصة أو لدفع التزام مالي غير سار. لكن باتباع استثمار استراتيجي، إذا كنت متشائما تعتقد أن أسعار الفائدة القياسية ستنخفض بحدة هذا العام، فستجزي منتجات النقد مكافآت أقل تدريجيا وأمام السندات طويلة الأجل مزيد من الارتفاع. لكن إذا كنت متفائلا بشأن النمو الاقتصادي، فيمكن القول إن أفضل طريقة للعب هي من خلال الأسهم الأصغر، مثلا الأسهم في مؤشر راسل 2000.
يقول جو ديفيس، كبير الاقتصاديين العالميين في فانجارد: "أفهم إغراء النقد، لكن إذا كنت ستبقى على النقد، فمتى ستتخارج منه؟"، وقال: "إن انتظار إشارة واضحة بأنه قد حان التحول إلى الأسهم أو السندات لن تسفر عن نتائج على الأرجح".
بعد بداية بطيئة، قد يبدأ المستثمرون الأفراد الأثرياء في فهم الرسالة، يقول كريستيان نولتينج، كبير مسؤولي الاستثمار في دويتشه بنك لإدارة الثروات: إنه عموما لم يعد عملاؤه يطالبون بمزيد من الأشياء في محافظهم الاستثمارية. يقول: "لا نرى أنهم متمسكين بآرائهم إلى هذا الحد، هذا ليس الوقت المناسب للانتظار والترقب، من السهل أن تنفر من المخاطرة لكن عليك أن تجد جيوب النمو هذه".
 ربما الأمر هكذا، لكن يبدو أن مستثمرين كثر ما زالوا بحاجة إلى الإقناع، ولن يتطلب الأمر سوى اندلاع طفيف لعدم الاستقرار في الأسهم أو وميض من ارتفاع التضخم حتى يعودوا ليميلوا نحو الدفء المريح للنقد الآمن والممل الذي يمكن الاعتماد عليه.

الأكثر قراءة