الذكاء الاصطناعي يخرج صناعة الرقائق من القاع .. ولكن إلى متى؟

الذكاء الاصطناعي يخرج صناعة الرقائق من القاع .. ولكن إلى متى؟

بدأت صناعة أشباه الموصلات العام بثقة متزايدة بأنها تركت الانكماش الدوري الأخير خلفها في 2023، حيث أشاد المحللون "بنقطة تحول" في السوق التي تبلغ قيمتها 600 مليار دولار.
لكن وراء التوقعات الرئيسة بحدوث انتعاش من خانتين في الإنفاق على الرقائق هذا العام تكمن حالة من عدم اليقين بشأن مدى اتساع نطاق هذا الارتداد، حيث إن الطلب المتزايد على المعالجات باهظة الثمن المصممة للذكاء الاصطناعي يقابله توقعات أكثر هدوءا في أجزاء أخرى من قطاع التكنولوجيا.
تظهر أحدث الأرقام الصادرة عن رابطة صناعة أشباه الموصلات ومقرها الولايات المتحدة، والتي تمثل معظم شركات صناعة الرقائق العالمية، أن المبيعات العالمية وصلت إلى 48 مليار دولار في نوفمبر، مرتفعة على أساس سنوي وربع سنوي للمرة الأولى منذ أكثر من عام. فقد بلغت المبيعات الشهرية ذروتها فوق 50 مليار دولار خلال النصف الأول من 2022.
وقال جون نيوفر، الرئيس التنفيذي لشركة إس آي أيه، إن البيانات كانت "مؤشرا على أن سوق الرقائق العالمية مستمرة في اكتساب القوة" بعد أن توقعت وحدة إحصاءات تجارة أشباه الموصلات العالمية التابعة لها "انتعاشا قويا" في عام 2024، مع ارتفاع الإيرادات العالمية 13 في المائة إلى 588 مليار دولار.
مع ذلك، قال مالكولم بين، مؤسس شركة فيوتشر هورايزونز الاستشارية في مجال الرقائق، إن أرقام نمو الإيرادات – التي تم قياسها مقابل عام سيئ بالنسبة للقطاع – لم يقابلها ارتفاع في شحنات الوحدات.
وقال: "من الصعب جدا أن نرى كيف ستحصل على نمو الوحدة حتى النصف الثاني من 2024، هذه ليست بداية الانتعاش التالي – أمامنا طريق طويل لنقطعه قبل أن نبدأ في الدخول في جزء النقص من الدورة".
لقد تأرجحت صناعة الرقائق بين النقص والفائض على مدى عقود، لقد بدأ الانكماش الأخير في صيف عام 2022، مع تغلب الصناعة على مشكلات العرض التي تفاقمت بسبب جائحة كوفيد - 19، في الوقت الذي بدأ فيه إنفاق العملاء –سواء من قبل المستهلكين على أجهزة الحاسوب الشخصية أو الهواتف الذكية أو من قبل مقدمي الخدمات السحابية على الخوادم والمحولات الجديدة– يشعر بوطأة التضخم.
وقال بين إن الصناعة "وصلت إلى القاع" بسرعة أكبر مما حدث في الدورات السابقة في أقل من عام، لكن سرعة التعافي تظل موضع تساؤل في وقت يقابل فيه الإنفاق المفرط من جانب مقدمي الخدمات السحابية بمزيد من الحذر من جانب المستهلكين والشركات.
وتمثل الاستثناء في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، حيث قامت مجموعة من شركات الإنترنت السحابية والشركات المستهلكة الثرية بشراء شرائح عالية الأداء مع انطلاقة الذكاء الاصطناعي التوليدي في أعقاب النجاح الكبير الذي حققته برمجية شات جي بي تي.
وقال جيف بلابر، المحلل في شركة سي سي إس إنسايت: "بشكل عام، إننا بالتأكيد عند نقطة تحول. لكننا بحاجة لأن نكون واقعيين: لولا هذه القوة في الحوسبة عالية الأداء، لما كنا نتحدث بشكل إيجابي عن التحسن في أشباه الموصلات".
أعلنت شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات، وهي أكبر منتجة للرقائق في العالم، هذا الأسبوع عن مبيعات الربع الرابع التي تساوت مع العام السابق، لكنها تجاوزت توقعات المحللين بالانخفاض. وقد استفادت شركة تي إس إم سي من موقعها كمورد رئيس للرقائق الأكثر تقدما لشركات مثل أبل ونفيديا، المستعدة لدفع مزيد للحصول على ميزة تنافسية في المنتجات التي يرغب عملاؤها في الدفع أكثر مقابلها.
ورغم أن مبيعات هواتف آيفون من شركة أبل تعرضت لضغوط، إلى جانب بقية سوق الهواتف الذكية، إلا أن عملاء شركة نفيديا كانوا يصطفون لشراء معالجات الذكاء الاصطناعي عالية الطاقة. لقد بدأت للتو في مواكبة الطلب.
قال المسؤولون التنفيذيون في شركة نفيديا، التي تضاعفت قيمة أسهمها ثلاث مرات خلال 2023، في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية في لاس فيجاس هذا الأسبوع إنهم يتوقعون أن يؤدي الطلب المستمر إلى دفع مزيد من نمو المبيعات طوال 2024 وفي 2025.
وقالت كوليت كريس، المديرة المالية لشركة نفيديا، في مقابلة مع محللي بنك جيه بي مورجان في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية: "إن اعتماد السوق للذكاء الاصطناعي هو في المراحل الأولى فقط. نعم، يمكننا أن ننمو مع انتقالنا إلى 2025".
هذه الثقة رددت صدى التعليقات في منتصف ديسمبر، التي أدلى بها رئيس شركة ميكرون، شركة تصنيع الذاكرة التي يوجد مقرها في الولايات المتحدة والتي غالبا ما ينظر إليها على أنها شركة رائدة في مجال أشباه الموصلات، لأنها تعلن عادة أرباحها قبل شهر من غيرها في هذا القطاع. وقد تضررت سوق الذاكرة بشدة بشكل خاص من الانكماش الأخير في القطاع، لكن محللي بنك إتش إس بي سي يتوقعون لها الآن نموا بنسبة 59 في المائة على أساس سنوي في 2024.
وقال سانجاي ميهروترا، الرئيس التنفيذي لشركة ميكرون، الشهر الماضي: "إن بيئة العرض والطلب المحسنة في الربع التقويمي الحالي تمنحنا ثقة إضافية في مسار أعمالنا"، مشيرا إلى "انعطاف قوي في تسعير الصناعة في هذا الربع التقويمي".
وأضاف: "نتوقع أن تستمر أسعارنا في الارتفاع خلال 2024".
يتوقع الباحثون في شركة ترند فورس الاستشارية التايوانية أن متوسط أسعار بيع شرائح ذاكرة درام المستخدمة في الهواتف الذكية والأجهزة الأخرى يرتفع بنسبة تراوح بين 18 في المائة و23 في المائة هذا العام. وقد زادت تراوح بين 13 في المائة و18 في المائة في الربع الرابع.
وخلال تخمة المعروض التي استمرت لمدة عام بين عامي 2022 و2023، خفضت كل من شركتي تصنيع شرائح الذاكرة الكوريتين الجنوبيتين، إس كيه هاينكس وسامسونج الإنتاج، حيث تكبدتا خسائر بمليارات الدولارات.
لكن كواك نوه-جونج، الرئيس التنفيذي لشركة إس كيه هاينكس، التي كانت رائدة في تطوير ما يسمى برقائق الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي المستخدمة في خوادم الذكاء الاصطناعي، يبدي الآن ملاحظة أكثر تفاؤلا، حيث قال إن شركة تصنيع رقائق الذاكرة الكورية الجنوبية تهدف إلى مضاعفة قيمتها السوقية على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة، حيث تسعى لاستغلال الطلب على المكونات في الأنظمة اللازمة لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي.
وقال كواك للصحافيين في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية، "ندرس تغيير استراتيجية خفض الإنتاج لدينا في الربع الأول" بسبب "علامات التحسن في سوق شرائح درام".
وأعلنت شركة سامسونج، التي تنتج رقائق المنطق والذاكرة، هذا الشهر عن أقل انخفاض في أرباحها على أساس سنوي في خمسة أرباع.
حققت أسعار أسهم بعض أكبر شركات تصنيع الرقائق في العالم، بما في ذلك إنتل، وأيه إم دي ونفيديا، مكاسب كبيرة خلال 2023، حيث توقع المستثمرون التحول في الدورة.
وقال محللون في بنك جيفريز في مذكرة حديثة للعملاء: "إننا نتوقع تسارع دورة أشباه الموصلات خلال 2024 لتصل إلى ذروتها في النصف الأول من 2025، ما يؤدي إلى نمو بنسبة 20 في المائة تقريبا هذا العام ونمو بين 13و19 في المائة في 2025".
لكن في الوقت الذي تتراجع فيه أحجام الوحدات، كان الارتفاع في متوسط أسعار البيع هو العامل الحاسم في العودة إلى نمو الإيرادات، كما قال بن من شركة فيوتشر هورايزونز: "ما هو غير واضح في الوقت الحالي هو سبب قوة نمو أيه إس بي بهذه القوة". بينما يمكن لشركة نفيديا أن تتقاضى عشرات الآلاف من الدولارات مقابل أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، إلا أنها تبيع بكميات صغيرة نسبيا.
مضيفا: "الذكاء الاصطناعي ليس هاتفا ذكيا، وهذه هي المشكلة. إنه ليس أرقاما كبيرة في المخطط العام للأشياء". 

الأكثر قراءة