تخفيف التوترات الاقتصادية

"أمضينا وقتا طويلا مع قلة الاتصالات بالصين، وتطور سوء الفهم" جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية من أكثر المفاجآت التي عبر عنها المسؤولون الصينيون مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض، هي تلك المتعلقة بعدم تغير السياسة الأمريكية حيال بكين، ولا سيما على الجانب الاقتصادي.

فالكل كان يعتقد أن فترة التوترات مع واشنطن ستنتهي أو ستقل بخروج دونالد ترمب من السلطة في الولايات المتحدة. في الواقع استمرت إدارة الديمقراطيين على نفس نهج ترمب مع الصين، وبالطبع أزالت كل الخلافات التي كانت عالقة بين الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين، الذين شهدوا لأول مرة (خلال فترة الرئيس السابق) معارك تجارية متعددة وواسعة مع الولايات المتحدة.

ولا شك أن الملفات الخلافية بين أكبر اقتصادين في العالم (الأمريكي والصيني) كثيرة، وبعضها "متفجر"، وسط تراجع التواصل بينهما إلى مستويات غير مسبوقة بالفعل.

بعد أقل من عام توجهت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين إلى الصين في زيارة ثانية، تكتسب أهمية كبيرة، ليس من جهة الملفات الموضوعة على الطاولة فقط، بل من ناحية تراجع "اللغة" التي اتسمت بـ"العنف" بين الطرفين في الفترة السابقة.

بالطبع ستبقى الخلافات حاضرة. فالمشكلات العالقة تتطلب وقتاً طويلاً، حتى في ظل تراجع حدة التوتر. وعلى رأسها تلك التي ترتبط بما تسميه واشنطن "الطاقة الإنتاجية الزائدة للصين"، على أساس أن ذلك يؤثر في التنافسية مع الشركات الأمريكية.

بالطبع يعتقد الصينيون أن ما تطرحه واشنطن، ليس إلا "ذريعة" من أجل استمرار السياسات الحمائية ضد الصين أو اتخاذ أخرى جديدة في المرحلة المقبلة.

هذه المسألة ستظل في دائرة المباحثات نظراً لتعقيداتها، رغم أن هذا الملف هو أيضاً يثير القلق على ساحة الاتحاد الأوروبي، إلى درجة أن رئيس الغرفة التجارية الأوروبية ينس إسيكولند يعتقد أن التوترات التجارية بين الأوروبيين والصينيين ستتصاعد، إذا لم تحل هذه المشكلة، إضافة إلى مشكلات أخرى عالقة منذ سنوات.

لكن في النهاية، يبدو واضحا أن الانفراج (بصرف النظر عن حل المشكلات من عدمه) سيكون سائداً في الفترة المقبلة، بين واشنطن وبكين، بما في ذلك زيارة أخرى مرتقبة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن لبكين قبل نهاية العام الجاري، فضلاً عن المحادثة الهاتفية المهمة الأخيرة التي جمعت بين بايدن ونظيره الصيني، التي وظفت من قبل البيت الأبيض بأنها جيدة وصريحة.

لا شك في أن أي تفاهم بين أكبر اقتصادين، سينعكس بصورة إيجابية على علاقاتهما بالدرجة الأولى، وعلى الساحة الدولية بشكل عام. فهناك ملفات مشتركة تتعلق بديون بلدان الدول النامية التي واجهت مصاعب جمة في العامين الماضيين، نتيجة الارتفاع الكبير لأسعار الفائدة على العملة الأمريكية، والضغوط الهائلة التي أتت من الموجة التضخمية، إضافة إلى ضرورة تعاونهما على صعيد مواجهة ما أصبح يعرف بـ"التمويل غير المشروع"، أي تجفيف منابع الأموال التي تضخ في الأنشطة الإجرامية وتهريب المخدرات والاحتيال وغير ذلك. حتى أن الجانبين اتفقا بالفعل على تدشين منتدى للتعاون في جهود مكافحة غسل الأموال.

ولا يمكن تحقيق تقدم كبير (على سبيل المثال) حيال معالجة التغير المناخي، إلا بالتواصل بين أكبر اقتصادين في العالم. المؤشرات كلها تدل على أن التوتر بين واشنطن وبكين يتراجع، بصرف النظر عن الخلافات الجيوسياسية العالقة منذ عقود.

ويبدو أيضاً المواقف المتصلبة لدى الطرفين أصبحت أقل تصلباً. فالصينيون يعرفون حقاً أن التعاون مع إدارة بايدن، أكثر ضماناً فيما لو أتت لاحقاً إدارة بقيادة ترمب يمكن ببساطة أن تقلب كل الموازين مع بكين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي