مخاوف من "بازل 3" .. مزيد من الاحتياطيات

لا شيء تكرهه البنوك أكثر من إلزامها بالاحتفاظ بكميات متزايدة من الاحتياطيات النقدية وشبه النقدية، وهذا ما يبدو أنه سيتم حين يتم العمل بمعايير بازل الثالثة النهائية، التي من المتوقع أن تقر العام المقبل، وتستغرق ثلاث سنوات لتطبيقها على البنوك الكبرى التي لديها أصول تتجاوز 100 مليار دولار، التي يوجد منها بهذا الحجم ثلاثة أو أربعة مصارف سعودية، والسبب أن ذلك سيقيد حريتها في استثمار أصولها بدرجات متفاوتة من المخاطر بالشكل الذي يتناسب مع سياسات الإقراض والتمويل والاستثمار لدى هذه البنوك.

التخوف من "بازل 3" أن المعايير الجديدة ستؤثر في الأسواق المالية التي تعتمد على الائتمان المصرفي من جهة، ومن جهة أخرى – بحسب بعض التقديرات – فالأسواق المالية تمول نحو 70 % من الأنشطة التجارية في الولايات المتحدة، لذا لا غرابة في تعالي أصوات الاعتراض على بنود المعايير الجديدة من قبل المصارف والجهات المرتبطة بالأسواق المالية، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن البنوك الكبيرة ستضطر إلى الاحتفاظ باحتياطيات إضافية تتجاوز 20 % من حجها الحالي، وفي بعض الحالات ربما أكثر من ذلك بكثير، على الرغم من أن تقديرات مشرعي معايير بازل الجديدة أن الزيادة ستكون في حدود 16 % فقط.

البنوك تزعم أن ذلك سيؤدي إلى الحد من قدرتها على إقراض من هم بحاجة إلى الاقتراض من ذوي درجات الائتمان المنخفضة والضمانات المتواضعة، كما أن ذلك سيؤثر سلباً في حجم التدفقات النقدية الموجهة إلى الأسواق المالية التي تتميز في ارتفاع درجات المخاطرة بها. الإشكالية هنا تأتي في طريقة احتساب معدلات كفاية رأس المال التي ستأخذ في الحسبان درجات المخاطرة بشكل أكبر من السابق، فمنذ بداية العمل بمعايير بازل الأولى وهناك مفهوم وضع نسبة معينة من مال البنك تتناسب مع درجة المخاطرة المعرضة لها أصول البنك، فمثلا لو أن أحد البنوك يستثمر نصف أصوله في سندات حكومية آمنة والنصف الآخر في قروض عقارية، ففي هذه الحالة النصف الأول يمنح درجة صفر مخاطرة ولا يحتاج البنك إلى الاحتفاظ باحتياطيات خاصة بهذا النصف، أما النصف الآخر فيمنح نسبة مخاطرة معينة تحددها معايير بازل ودراسات البنك نفسه، بحيث ربما بعض القروض عليها نسبة 35 % مخاطرة وأخرى 60 % وغيرها ربما 100 %، وبالتالي سيرتفع حجم الأصول المعرضة للمخاطرة وترتفع معها متطلبات الاحتفاظ باحتياطيات إضافية. المعايير السابقة تجاوزت رقعتها الأصول العادية للبنوك، كالاستثمار في السندات والقروض الشخصية والعقارية لتشمل استثمارات البنك في المشتقات المالية وغير ذلك من الاستثمارات البديلة، بل إنها تطالب البنوك بتضمين المخاطر التشغيلية والسوقية في دراسة درجات المخاطر لديها.

هذا يعني ضرورة الأخذ في الحسبان الأضرار الناجمة عن الاختراقات الإلكترونية والأعطال والاختلاسات وما شابه ذلك، وكذلك أخذ درجة تذبذب أسعار السوق لما يتم الاستثمار فيه من أصول، كون ذلك يؤثر في قيمة الأصل في القوائم المالية للبنك، كذلك هناك اشتراطات جديدة تلزم البنوك بمواصلة تقييم عملاء القروض وتحديث المخصصات لأخذ تزايد احتمال تعثر العملاء.

من جهة أخرى، يرى المؤيدون للمعايير الجديدة أن اعتراض البنوك غير مبرر، فالبنوك لديها رؤوس أموال كافية واستفادت من سنوات طويلة كانت فيها أسعار الفائدة متدنية نتيجة الضخ المتواصل للسيولة من قبل البنوك المركزية، وحتى في العامين الماضيين البنوك استفادت من ارتفاع معدلات الفائدة في تحقيق أرباح كبيرة نتيجة رخص السيولة المستحوذ عليها سابقا. لذا يرى هؤلاء أن المعايير الجديدة لن تؤثر سلباً في قدرة البنوك على الإقراض والتصرف بما لديها من رأس مال، ولا سيما أن المعايير الجديدة لا تنطبق على البنوك الصغيرة والمتوسطة، وإن سبب الحملة ضد المعايير حرص البنوك الكبيرة على الاستمرار في تحقيق أرباح عالية والتفوق في منافسة بقية البنوك، وهذا أمر واضح بالنظر إلى أرباح البنوك الكبيرة سواء في أمريكا أو هنا في السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي