العالم يعول على القمة لتفادي الركود وصياغة نظام مالي جديد

العالم يعول على القمة لتفادي الركود وصياغة نظام مالي جديد

يعقد زعماء 20 دولة صاحبة أكبر اقتصادات في العالم قمة تاريخية يوم السبت المقبل في محاولة لتفادي خطر حدوث ركود عالمي طويل والسعي إلى صياغة نظام مالي عالمي جديد.
والدعوة التي أطلقها الرئيس الأمريكي جورج بوش قبل شهرين لعقد قمة طارئة لزعماء دول مجموعة العشرين "جي 20" في مبنى المتحف الوطني المهيب في واشنطن تأتي عقب أكبر أزمة تعصف بالاقتصاد العالمي منذ "الكساد الكبير" في ثلاثينيات القرن الماضي.
وكان اضطراب النظام المالي العالمي - نتيجة أزمة سوق الرهن العقاري الأمريكية والذي عانته أسواق المال العالمية خلال الشهور الماضية - قد أدى إلى تراجع أسعار الأسهم بشكل حاد وانكماش أسواق الائتمان كما أدى إلى تدخل السلطات التنظيمية حول العالم بفرض قواعد وإجراءات صارمة على القطاع المصرفي.
ومع انتشار الأزمة من الولايات المتحدة إلى بقية دول العالم، توقع صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي أن يتراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.2 في المائة العام المقبل في مؤشر على ركود عالمي في الوقت الذي توقع فيه الصندوق أن تنكمش اقتصادات الدول المتقدمة خلال العام نفسه.
وعلى غرار اجتماع "بريتون وودز" الذي عقد عام 1944 عقب الحرب العالمية الثانية وأنشأ نظاما ماليا خلال فترة ما بعد الحرب، فإن قمة الأسبوع المقبل تدشن انطلاق عملية يأمل قادة دول العالم من خلالها أن تؤدي إلى إصلاح قواعد عمل القطاع المالي العالمي.
ورغم أنه من المستبعد أن يلوح في الأفق أي مراجعة للنظام الرأسمالي نفسه، فإن المؤسسات المالية حتى تقر بأنه أصبح من الضروري الآن وجود مزيد من الشفافية والمراجعة لأساليب عملها ونشاطاتها.
وقال تشارلز دالارا المدير الإداري لـ "معهد التمويل الدولي" أكبر لوبي مصرفي في العالم والتي تتبع البنك الدولي إن "ما نعتقده فعلا أن هذا الاجتماع سيتمخض عن بعض الإصلاحات الجوهرية في البنية المالية العالمية".
وكان المعهد قد دعا إلى تأسيس كيان عالمي جديد يمكن أن يقوم بجهود تنسيق هذه الإصلاحات لكن دالارا أضاف: "أعتقد أنه إذا خلصنا إلى أن الرأسمالية قد ماتت، فإن ذلك سيكون أكبر تضليل.. أعتقد أننا نحتاج فعلا إلى إصلاح الأشياء التي ثبت أنها خاطئة".
لكن الكثير من الحكومات حرصت على تقليص توقعاتها إزاء هذه القمة بينما دفع البعض من أجل توسيع أجندة الاجتماع ليشمل قضيتي التغير المناخي والسياسة التجارية.
وقال هربرت ديتر الخبير البارز في "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية" في برلين إن "من غير الواضح حقيقة الموضوعات التي يريد المشاركون في القمة الحديث بشأنها".
وفي الواقع فإن أحد المخاطر الكبيرة التي تواجه القمة إمكانية أن تظهر الانقسامات العميقة بين الولايات المتحدة والدول الأخرى الرئيسة في مجموعة العشرين في ظل التوقعات بأن الدول الأوروبية ستحاول الضغط لوضع مزيد من القواعد بشكل أكبر يفوق حجم ما تعتقده الولايات المتحدة بأنه ضروري.
في الوقت نفسه فإن من المرجح أن اقتصادات ناشئة رئيسة مثل الصين وروسيا والبرازيل قد تطالب بدور رئيس في صياغة خطط إقامة نظام مالي جديد. وفي رد فعل على فيض المقترحات المتعلقة في قمة واشنطن، قال البيت الأبيض إن قادة العالم سيتفقون على عدد من "المبادئ" لإصلاح القواعد المنظمة للقطاع الماليل على أن يتم ترك التفاصيل لبحثها في موعد لاحق.
وقد تشمل تلك المبادئ زيادة الحد الأدنى لرساميل المؤسسات المالية بعد أن تسبب هذا الوضع (الحد الأدنى الحالي) في حدوث أزمة الائتمان من خلال السماح للبنوك بتحمل مخاطر هائلة وتكبد ديون ضخمة جدا. كما قد تتعرض أنشطة وممارسات مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية لتدقيق أكثر صرامة، فيما من المرجح أن تدفع القمة باتجاه توثيق التعاون بين الهيئات الرقابية المصرفية الوطنية حول العالم.
يضاف إلى ذلك أن هناك خططا لاتخاذ إجراءات صارمة ضد الدول التي تعد ملاذا آمنا للتهرب الضريبي وكذلك القطاعات المالية التي نجحت حتى الآن في التهرب من الامتثال للقواعد التنظيمية مثل صناديق التحوط.
ومن بين أكثر الإجراءات المحددة التي من المرجح أن تخرج بها قمة مجموعة العشرين هو توسيع الدور الذي يقوم به صندوق النقد الدولي وهو الحل الأخير باعتباره جهة إقراض عالمية ومسؤولة تقليديا عن الحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي.
وكانت الحكومات والبنوك المركزية والمجالس التشريعية في دول العالم قد اتخذت سلسلة من الإجراءات غير المسبوقة في محاولة لتحقيق الاستقرار في النظام المالي من بينها خفض أسعار الفائدة بشكل منسق وتقديم برامج إنقاذ بمليارات الدولارات للبنوك المتعثرة.
لكن من المرجح أن تواجه حكومات الدول المشاركة في اجتماع السبت المقبل دعوات تطالب بتطبيق برامج كبيرة وسخية لتحفيز الاقتصاد الوطني في دول العالم وذلك لمساعدة الاقتصاد العالمي الذي يترنح وسط حالة من عدم اليقين حاليا. وقال موريس جولدستاين الخبير في "معهد بيترسون للاقتصادات الدولية" إنه يجب ضخ استثمارات تراوح نسبتها بين 1 إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة تستطيع تحمل ذلك من الدول الأعضاء في مجموعة العشرين.
تجدر الإشارة إلى أن الاقتصادات الصاعدة في مجموعة العشرين مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل كانت مصدرا رئيسا للنمو الاقتصادي العالمي خلال السنوات القليلة الماضية.
وقمة واشنطن التي تأتي بعد أقل من أسبوعين على انتخاب السناتور الديمقراطي باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة وقبل أقل من شهرين على رحيل الرئيس الحالي جورج بوش من البيت الأبيض من شأنها أن تمنح الرئيس الأمريكي الجديد الفرصة للإسهام في إعادة تشكيل الهيكل المالي العالمي. إلا أن أوباما لن يشارك في القمة بعد أن شدد الأسبوع الماضي على أن الولايات المتحدة لها "رئيس واحد" لكن البيت الأبيض أشار إلى أن فريقه من المستشارين الاقتصاديين سيتم إطلاعهم بشكل دوري على التقدم الذي يتم إحرازه. وبيد أن حزمة الإجراءات التي سيطرحها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في واشنطن نيابة عن الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 بلدا لم ترتق إلى المطالبات المثالية بإصلاح النظام الرأسمالي والتي برزت في خضم العاصفة المالية التي اجتاحت الأسواق العالمية قبل أسابيع فقط.
بيد أن نوعا من الهدوء عاد أخيرا إلى الأسواق المالية العالمية حيث طرحت الحكومات في مختلف أرجاء المعمورة خططا لإنقاذ قطاعاتها المصرفية التي تطحنها المشكلات إلى جانب حزمة من خطط التحفيز الاقتصادي.
ودعمت هذه الخطط موجة من قرارات خفض أسعار الفائدة من قبل عدد من البنوك المركزية الرئيسة.
ورغم ذلك فإن الأوروبيين سيضغطون خلال قمة واشنطن من أجل تبني نظام عالمي أكثر صرامة لمراقبة النشاط الاقتصادي ودعوة القمة للموافقة على تحرك سريع لتنفيذ التعديلات قبل قمة أخرى مزمعة تعقد بعد 100 يوم.
وقال ساركوزي قبل قمة العشرين: "من الواضح جدا.. أنني إذا لم أحصل على نتائج محددة فإنني سأذهب.. سأغادر واشنطن وأعود إلى بلادي". وتتولي فرنسا رئاسة الاتحاد في دورته الحالية.
وعلى نحو خاص يريد الاتحاد الأوروبي من قمة العشرين التي تضم ممثلين من الدول الصناعية الكبرى فضلا عن الدول صاحبة الاقتصادات الصاعدة الموافقة على خطط لإنعاش صندوق النقد الدولي.
ويرى الاتحاد الأوروبي أن ثمة دورا أساسيا يجب أن يقوم به صندوق النقد الدولي في منع الأزمات المالية والبروز بوصفه "المحور" في عملية تجديد النظام المالي الدولي.
وفي الوقت نفسه يأمل الأوروبيون أن تؤدي قمة واشنطن إلى الموافقة على إجراءات للتأكيد مجددا على دور سلطات الإشراف المالي الوطنية وعلى أشكال أوثق للتعاون بين تلك السلطات.
ومن المتوقع أن يطالب ساركوزي خلال القمة بإصلاح النظام العالمي للإشراف على القطاع المالي بما يتماشى مع التطورات المالية الأخيرة بتمديد شبكة الإشراف لتشمل أسواقا ومؤسسات مالية طالما تمكنت من الالتفاف حول هيئات الرقابة المالية.
وفي بيان لهم في ختام قمة عقدت في بروكسل الأسبوع الماضي قال القادة الأوروبيون إن قمة السبت المقبل في واشنطن يتعين أن "تقرر أنه ما من قطاع من السوق ولا إقليم أو مؤسسة مالية يتعين أن تهرب من تنظيم مناسب وكاف أو إشرافي على الأقل".
ويشمل ذلك هيئات مثل صناديق التحوط والملاذات الضريبية حيث يصر الأوروبيون على أن أي مقترحات تخرج عن القمة يتعين أن تقوم على تعزيز المحاسبة والشفافية. كما يعتقد الأوروبيون أيضا بضرورة وجود رقابة أشد على وكالات التصنيف الائتماني التي وافقت في بعض الحالات على استثمارات مرتبط في سوق قروض الرهن العقاري عالية المخاطر، أسهمت في نشوب الأزمة المالية الحالية.
بيد أن ثمة محللين يشككون في أن تلقى دعوات بعض الدول الأوروبية من أجل قدر أكبر من تنسيق السياسات الاقتصادية للمساعدة في التصدي للاضطرابات الاقتصادية قدرا كبيرا من الدعم خلال القمة حيث إنها يمكن أن تثير قضايا شائكة بشأن سياسة أسعار الصرف.
كما أن التوصل إلى توافق في الآراء قد يكون أمرا صعبا حيث من المرجح أن تبدي اقتصادات صاعدة مثل الصين وروسيا رغبتها في لعب دور رئيس في صياغة نظام مالي جديد.

الأكثر قراءة