اليوم.. جشع الأسواق تحت مجهر زعماء العشرين
يعكف قادة مجموعة العشرين الممثلة لأكبر 20 اقتصادا في العالم اليوم وغدا في واشنطن لبحث سبل معالجة الأزمة المالية العالمية التي انطلقت من ""وول ستريت" قبل نحو 50 يوما من الآن حين انهار مصرف "ليمان برذرز" وتردد صداها بعد ذلك في أصقاع المعمورة، محدثا تراجعا حادا في الأسواق المالية وأسواق السلع وانهيارات في المصارف العالمية، وإفلاس دول آيسلندا، وتهديد العالم بركود اقتصادي طويل.
تبدأ القمة جلساتها اليوم والجميع متفق على أنها مجرد خطوة أولى، باستعراض مقترحات الدول المشاركة والمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حيال معالجة الأزمة، ضمن اجتماع تحضره بقوة أسواق ناشئة رئيسية مثل الصين، الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا، السعودية، مع مجموعة الدول الصناعية الكبرى، ما يعكس متانة اللقاء.
#2#
الدكتور حمزة السالم أستاذ الاقتصاد المالي في جامعة الأمير سلطان الأهلية، يؤكد أن لقاء قادة مجموعة العشرين اليوم في واشنطن ينقسم إلى شقين الأول معالجة الأزمة القائمة والمتمثلة في دعم خطط الحكومات في إنقاذ أنظمتها المصرفية من الانهيار وتشجيع سوق الإقراض والائتمان عالميا وهي في المقام الأول مهمة أمريكية، فيما الشق الثاني هو تدعيم وإصلاح النظام المالي العالمي لتجنب تكرار الأزمة الناتجة عن جشع المستثمرين واستغلالهم لبعض الثغرات في النظام الراهن بحزمة من الضوابط الجديدة وهي مهمة الدول الأخرى المشاركة.
وأوضح السالم أن الاتحاد الأوروبي وكثيرا من دول مجموعة العشرين تعتقد أن إصلاح النظام المالي يستدعي التحجيم من دور الدولار في الاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن العجز الأمريكي المستمر منذ نحو 37 عاما وارتفاع ديونها إلى أرقام فلكية يجعلها تعيش على اقتصادات الأمم الأخرى.
وأضاف" زمن التمويل المجاني والرخيص أدنى والضغوط المتلاحقة على الاقتصاد الأمريكي قد يجبرها على فرض رقابات دولية ولكن ليس على أسواقها الداخلية".
وزاد أستاذ الاقتصاد المالي في جامعة الأمير سلطان الأهلية،" أتوقع أن هناك مبالغة في الدور الذي يمكن أن تحدثه الدول الناشئة في تغيير النظام المالي العالمي، على الأقل في الوقت الراهن، وسيكون من الصعب تحقيق مكاسب من الجولة الأولى".
#3#
ويتفق الدكتور عبد العزيز الغدير، اقتصادي سعودي، مع ما ذهب إليه الدكتور السالم من أن القمة مهمة ولكنها خطوة لن تحدث كثيرا من الأثر في الوقت القريب على العتمة التي حلت بالأسواق واقتصاد العالم".
وبيّن الغدير أن القمة اليوم هي بداية البدايات ولكنها خطوة لعولمة الأنظمة المالية بصورة أدق، وهو ما تأمل الأسواق في تحقيقه ولكنها تعلم أن ذلك لن يكون بخطوة واحدة، وقال" هناك قبول عالمي بضرورة إعادة صياغة النظام المالي العالمي وأنظمة الرقابة بما يحقق لعولمة الأنظمة المالية والاقتصاد أهدافه النبيلة دون ضرر من أي سوق مندفع".
وزاد" استطاع المستثمرون في السوق الأمريكية الاستنفاع بثغرات النظام المالي الذي أقر بعد الحرب العالمية الثانية، وحققوا مكاسب عالية، ولكن العالم يدفع اليوم ثمن جشع هؤلاء المستثمرين".
ويضيف الدكتور الغدير" ولكن الوقت تغير اليوم والدليل أنه قبل عدة شهور كانت أموال الصناديق السيادية خطرة ولكنها اليوم محل ترحيب بل واستجداء".
ونوه الغدير إلى أن الأزمة المالية أقنعت الجميع أن كلا منا يحتاج إلى الآخر، مشيرا إلى أنه سيكون هناك تعاون ولكن يجب ألا نندفع في توقع المزيد، وزاد" علينا أن ننتظر نتائج الاجتماع لنحكم على جدية الجميع في الوقوف صفا واحدا خلف الأزمة".
#4#
ولا يختلف الدكتور صالح الحربي، أستاذ التمويل والاستثمار المساعد في جامعة الملك سعود، مع المشاركين في التقرير من أن المؤتمر مهم ولكنه لن يكون كافيا في وقف تدهور الأسواق، مشيرا إلى أن ذلك ما أكده قادة العشرين بأنفسهم خصوصا بإشارتهم إلى أن هناك اجتماعا يتبع هذه الاجتماع بعد 100 يوم من القمة المعقودة اليوم.
وأضاف الحربي" هذه القمة ستكون بمثابة أول مؤتمر فاعل لمناقشة الأزمة جماعيا، ومشاركة المملكة في هذه القمة والتي تمثل بكل تأكيد دول الخليج مهمة على عدة أصعدة يأتي في مقدمتها أنها فرصة لفرض بعض الشروط والمشاركة في إدارة الاقتصاد العالمي مقابل بعض المساعدات التي هي على شكل قروض أو استثمارات".
وأكد الدكتور الحربي أن مشاركة المملكة هي محفز ومساعد قوي لتسريع القضايا الاقتصادية العالقة بين الخليجيين وبعض الأقطار الاقتصادية الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي والتي كانت متعثرة إلى وقت قريب.
وتابع الحربي" من الجيد أن تناقش قضايا مثل إعادة هيكلة النظام المالي بصورة جدية للمرة الأولى، ولكن لا نتوقع تغييرا شاملا للنظام المالي الدولي، فالمؤتمر فرصة لسد الثقوب التي تعتريه".
وقال" من الأمور المتوقع بحثها هي مراجعة دور صندوق النقد الدولي خصوصا في مجال الإقراض، والحد من نفوذ بعض الدول الذي يتم بصورة تفوق مساهمتها الحقيقية، إلى جانب منح حقوق التصويت إلى قرارات المؤسسة بصورة أكثر عدلا".
وخلص أستاذ التمويل والاستثمار المساعد في جماعة الملك سعود، على القول إن هذه الأزمة ستستمر ولفترة ليست بالقصيرة، داعيا الجميع إلى عدم البحث عن قرارات مصيرية، وزاد" ولكنها فرصة ذهبية لإثارة موضوع إعادة هيكلة النظام المالي العالمي، رغم أننا نؤمن أنه تاريخيا لم تقبل الولايات المتحدة أن تفرض على أسواقها رقابة دولية، وقد كانت تلك الرسالة الأخيرة من الرئيس بوش لقادة مجموعة العشرين البارحة الأولى".
القمة تنعقد بعد أسابيع من اللقاءات والمداولات المتنوعة بين أعضاء مجموعة العشرين في البرازيل وبلجيكا وأمريكا، وبعد أن أكد الرئيس الأمريكي جورج بوش أمس الأول أن القمة تهدف إلى "إرساء أسس" إصلاح النظام المالي، مؤكدا أن هذا الاجتماع ليس سوى الأول من سلسلة اجتماعات.
ويتضح الموقف الأمريكي من قول بوش إن "القادة الذين يحضرون الاجتماع السبت متفقون على هدف واحد هو مواجهة الأزمة الحالية وإرساء أسس إصلاحات تمنع وقوع أزمة مماثلة في المستقبل"، وأضاف "نحن متفقون أيضا على أن هذه القضية أوسع من أن تنجز في اجتماع واحد وهذه القمة ستكون الأولى في سلسلة" اجتماعات أخرى.
وقدم بوش دفاعا قويا عن نظام حرية السوق، لكنه قال إن من الضروري إجراء بعض الإصلاحات لتصحيح المشكلات التي أفضت إلى الأزمة المالية العالمية، ودعا الرئيس الأمريكي قادة مجموعة العشرين إلى بحث تطوير قواعد المحاسبة للأوراق المالية فضلا عن إصلاح مؤسسات دولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين.
وسيجتمع الزعماء اليوم وغدا لإطلاق جهود إعادة هيكلة النظام المالي العالمي، بعد أن كانت الحكومات ضخت بالفعل مئات المليارات من الدولارات في الأسواق في محاولة لإنعاش أسواق الائتمان المجمدة وتهدئة المتعاملين القلقين ومنع الاقتصاد العالمي من الدخول في حالة كساد.
ومن ناحيتها تسعى الدول الناشئة الكبرى التي تواصل دورها في الحفاظ على استمرار النمو العالمي، إلى دخول نادي الدول الغنية لتشارك مشاركة كاملة في إدارة الشؤون الاقتصادية للعالم.
ويبدو واضحا للعيان أن مجموعة الدول الناشئة الكبرى وهي البرازيل وروسيا والهند والصين لم تعد تريد الاكتفاء في هذه العاصفة المالية التي تزعزع اقتصادات الدول الأكثر تقدما، بمقعد ثانوي في المناقشات حول النظام المالي الجديد التي ستشهدها قمة مجموعة العشرين في واشنطن في نهاية الأسبوع.
وقال الوزراء في اجتماع سان باولو إن "الدول ذات الاقتصادات الناشئة والدول النامية يجب أن يكون لها صوت أقوى وتمثيل أفضل في هذه المؤسسات"، حتى أن المندوب الأمريكي في الاجتماع ديفيد ماكورميك أكد أن واشنطن تؤيد منذ فترة طويلة منح دور أكبر للدول الناشئة في صندوق النقد والبنك الدوليين.
فيما تبرز الاهتمامات الأوروبية من إعلان نيكول ساركوزي الرئيس الفرنسي والقائل بأن دول الاتحاد الأوروبي ستناقش مقترحات بشأن إصلاح النظام المالي العالمي, مشيرا إلى أن هناك موقفا مفصلا بدرجة ما لأوروبا, وأن دولها ستدافع عنه، ومنها فكرة منح دور أقوى لصندوق النقد الدولي ومراقبة وكالات التصنيف الائتماني وفرض قيود على الإفراط في المخاطرة.
من جهتها، أوضحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن الاتحاد الأوروبي اتفق على أنه لا مجال لسياسات الحماية التجارية في أي إجراء يتم الاتفاق عليه في واشنطن الأسبوع المقبل، فيما دعا رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى السير على النهج نفسه وخفض الفائدة مع اتخاذ إجراءات لدعم الاقتصاد.
وتنحصر اهتمات روسيا في إقامة مؤسسات عالمية وإقليمية جديدة يمكنها أن تقوم في المستقبل بدور المقرض كذلك، ومنح مزيد من السلطات للمؤسسات المالية العالمية، وإحداث نظام جديد لإدارة المخاطر العالمية، وتوفير مزيد من قواعد الشفافية وتوحيد القواعد المحاسبية.
يذكر أن مجموعة العشرين "G-20" تأسست في العاصمة الألمانية برلين عام 1999، وتضم الدول الثماني الكبرى وهي الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وألمانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا وروسيا، إضافة إلى الصين والهند والسعودية والأرجنتين وأستراليا والبرازيل وإندونيسيا والمكسيك وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية وتركيا، إلى جانب الاتحاد الأوروبي وممثلين عن البنك المركزي الأوروبي. ويشارك فيها أيضا رئيسا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.