الأزمة ستصيب دول العالم دون استثناء والنمو ينخفض إلى 3 %
توقع البنك الدولي في أحدث دراسة له سوف تقدم كوثيقة لقمة الدول العشرين التي ستلتئم اليوم في واشنطن في الولايات المتحدة أن تضرب الأزمة المالية العالمية كافة دول العالم دون استثناء، وخفضت الدراسة توقعات النمو الاقتصادي العالمي من 6.5 في المائة عامي 2008 و2009 إلى ما يراوح ما بين 3 و4 في المائة، مع توقع أن يبلغ النمو في دول مجلس التعاون الخليجي 3.5- 4 في المائة خلال العامين المذكورين. كما توقعت الدراسة انخفاض التجارة العالمية بنسبة 2.5 في المائة.
وقالت الدراسة إن اقتصاد العالم شهد تغيّراً كبيراً وسريعاً منذ أيلول (سبتمبر) 2008. فما بدأ كهبوط في قطاع الإسكان في الولايات المتحدة أصبح الآن أزمة عالمية، انتشرت في الاقتصادات الغنية والفقيرة على السواء. ويعتقد الكثيرون أن هذه الأزمة يمكن أن يذكرها التاريخ كأسوأ أزمة منذ الركود الكبير الذي شهدته ثلاثينيات القرن العشرين.
فالبلدان النامية - التي كانت في البدء محميّة من أسوأ عناصر هذا الاضطراب – أصبحت الآن أكثر تعرّضاً للمعاناة نتيجة لعوامل منها: تناقص تدفقات رأس المال إليها، والسحوبات الضخمة من رأس المال بحيث أدت إلى الخسارة في أسواق أسهم رأس المال، والارتفاع الشديد لأسعار الفائدة. ومن المرجح الآن ألا يزيد معدل نمو إجمالي الناتج المحلي في البلدان النامية – الذي كان من المتوقع قبل فترة وجيزة أن يبلغ 6.4 في المائة في عام 2009 – على 4.5 في المائة حسبما يقول خبراء الاقتصاد في البنك الدولي. ومن المتوقع حالياً انكماش اقتصادات البلدان الغنية – التي دخل عديد منها في ركود فعلي – بواقع 0.1 في المائة في السنة المقبلة.
#2#
وتنوّه الدراسة بأن ضعف معدلات النمو – واقترانه بالضائقة الائتمانية – يعني انخفاض المبالغ المالية التي ستتوافر للحكومات لاستثمارها في: التعليم، والرعاية الصحية، وتمكين النساء من أسباب القوة. ونتيجة لارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات، تفيد التقديرات أن 100 مليون شخص عادوا إلى الوقوع في براثن الفقر المدقع. ومع كل هبوط بواقع 1 في المائة في معدلات نمو اقتصادات البلدان النامية، يضاف نحو 20 مليون شخص آخر إلى عدد الفقراء الآخذ في الازدياد.
وقال روبرت ب. زوليك رئيس مجموعة البنك الدولي: " من المرجّح أن تؤدي الأزمة المالية العالمية هذه التي أتت عقب أزمتي أسعار المواد الغذائية والمحروقات إلى إلحاق أكبر الضرر بالفقراء في البلدان النامية. وفي إطار العمل مع صندوق النقد الدولي ووكالات الأمم المتحدة وبنوك التنمية الإقليمية، تقوم مجموعة البنك الدولي بمساعدة الحكومات والقطاع الخاص معاً من خلال: القروض، والاستثمارات في أسهم رأس المال، والأدوات الجديدة المبتكرة، وبرامج شبكات الأمان".
وتشمل استجابة مجموعة البنك الدولي لهذه الأزمة زيادة القروض إلى البلدان النامية التي ضربتها الأزمة – من المرجح ازدياد الإقراض إلى نحو ثلاثة أضعاف المستوى البالغ 13.5 مليار دولار أمريكي في السنة الماضية بحيث يبلغ أكثر من 35 مليار دولار – فضلاً عن تعجيل خطى تقديم المنح والقروض طويلة الأجل من دون فوائد إلى 78 بلداً هي أشد بلدان العالم فقراً، منها 39 بلداً في قارة إفريقيا.
وإضافة إلى تقديم المساعدة للحكومات التي تواجه ضائقة نقدية، تقوم مجموعة البنك الدولي بزيادة المساندة التي تقدمها إلى القطاع الخاص من خلال أربع مبادرات اعتمدتها مؤسسة التمويل الدولية IFC، وإتاحة السيولة التي تمس الحاجة إليها في أسواق العمل المصرفي في البلدان النامية، وذلك من خلال الوكالة الدولية لضمان الاستثمار MIGA.
ويتضح من نظرة مسبقة تمهيدية على التحليلات التي تتضمنها مطبوعة "الآفاق الاقتصادية" العالمية التي ستصدر في 9 كانون الأول (ديسمبر) 2008 أن معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي ستشهد تباطؤا في كافة مناطق العالم النامية في العام 2009. وقال يوري دادوش، مدير مجموعة أفاق التنمية "الأثر المباشر لهذه الأزمة أقل ضخامة في القطاعات المالية في أشد البلدان فقراً، ولكن مع ذلك ستتأثر نتيجة لانخفاض معدلات الصادرات – من المتوقع هبوط معدلات التجارة العالمية بواقع 2.5 في المائة في عام 2009 – وانخفاض تحويلات العاملين المغتربين، وانخفاض أسعار المواد الأولية الذي سيؤثر في البلدان التي تصدِّر تلك المواد الأولية".
وفي إطار التعليق على الهبوط المتوقع حدوثه في التجارة العالمية، وهو سيكون الهبوط الأول منذ عام 1982، قال زوليك: "الضائقة الائتمانية هي من بين العوامل الرئيسية الدافعة لهذا. وليس الأمر مجرّد عدم وجود الطلب على المنتجات، بل هنالك فجوة كبيرة في تمويل التجارة ويبدو أيضاً في رأس المال العامل بالنسبة لبعض شركات الشحن. ولذلك قمنا في البنك الدولي بتوسيع برنامج تمويل التجارة القائم على مجمّع من 1.5 مليار دولار أمريكي، كما ننظر في إمكان المزيد من توسيعه".
وقالت الدراسة إن الفقراء سيكونون الأشد تضرّراً من هذه الأزمة، مثلما كانوا في سابقاتها. فالعديد من الأسر التي أصبحت ضعيفة تواجه من أجل البقاء ضرورة بيع أصول تملكها كالمواشي. ويمكن أن يزداد سوء التغذية وأن تهبط معدلات الالتحاق بالمدارس. فالأزمة المالية تتحوّل إلى أزمة إنسانية إذا تُرك الفقراء وحدهم في الدفاع عن أنفسهم.
يعتقد خبراء الاقتصاد في البنك الدولي أن برامج شبكات الأمان الاجتماعي – ولا سيما جيدة التصاميم من بينها – تعد استثماراً ذكياً سواء من أجل الحاضر أو المستقبل. وهذه برامج مقدور عليها، فتكلفة البرنامج الناجح في المكسيك باسم الفرص Oportunidades والبرنامج الناجح في البرازيل باسم المنح الأسرية Bolsa Familia لا تزيد على 0.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
وبين التقرير أن هناك أجندة جديدة آخذة في الظهور حالياً بشأن صنع سياسات القطاع المالي. فهذه الأزمة تدفع باتجاه إعادة تقييم مبادئ وممارسات محددة في صنع سياسات ذلك القطاع، ويمكن أن تحدث تغييرات مهمة في هيكل الأنظمة المالية والإشراف عليها في كافة مناطق وبلدان العالم. ومن أجل منع تحويل الإيداعات إلى البنوك المملوكة للدولة، يمكن أن تضطر البلدان النامية إلى تقديم نوع من الضمانات للإيداعات في النظام المصرفي، ولكن ينبغي توخي العناية في وضع تصاميم التأمين على الإيداعات لأن تلك الإجراءات تتطلب موارد مالية عامة كبيرة لكي تكتسب المصداقية ويمكن أن تخلق الحوافز الدافعة لفرط الاقتراض.
وتخلص تحليلات جديدة للسياسات إلى أن تدعيم النظام المالي يتطلّب أيضاً: أنظمة فاعلة لتسجيل وإنفاذ الرهونات الضمانية، وأنظمة الدفع والتسوية القائمة بوظيفتها على نحو جيد، والهيكليات الجيدة التصميم من بين هيكليات إدارة الشركات. كما يتعيّن على الحكومات تحقيق التوازن بين الحفاظ على الاستقرار المالي وتشجيع الابتكار المالي.
ويمكن أن تؤدي ضرورة استنهاض الائتمان إلى قطاعات الإنتاج عقب الضائقة الائتمانية إلى دفع عدة بلدان إلى تحديث دور بنوك التنمية واستخدام الحدود الائتمانية الموجهة directed lines of credit وخطط ضمانات الائتمان credit guarantee schemes فضلاً عن الانخراط في قرارات تخصيص موارد البنوك التي جرى تأميمها في الآونة الأخيرة. وهذا التوقُّع يتوقف على أوضاع البلد المعني.