النظام المالي العالمي قائم على أسس زائفة تماما
اعتبر المستثمر العالمي المعروف جورج سوروس أن النظام المالي العالمي الحالي يقوم على أسس زائفة، وقال إنه كان بالإمكان تدارك حدوث الأزمة المالية العالمية التي تضرب في الأسواق المالية والاقتصاد العالمي حاليا، لو "أننا اعترفنا بزيف هذا النظام وأخضعناه للإصلاح". وتابع سوروس في لقاء أجرته معه جودي وودرف من تلفزيون وكالة بلومبيرج، يقول إن الأوضاع الحالية ستقود إلى تخفيف البنوك المركزية حول العالم من احتياطياتها بالدولار لحساب عملات أخرى في العالم، ويعتقد أن هذا الوضع سيحدث حتما في ظل الوضع المتأزم في سوق المال الأمريكية. إلى تفاصيل الحوار الذي ينشر بالتزامن مع مراجعة النظام المالي العالمي اليوم أمام قمة واشنطن المالية:
ذكرت في كتابك الجديد "منهاج جديد للأسواق المالية" أننا بالفعل نعيش أجواء أزمة مالية لم نر أزمة شبيهة بها منذ الركود الكبير. فهل كان بالإمكان تجنب حدوث هذه الأزمة؟
نعم، أعتقد أنه كان يمكن أن نتجنب حدوث هذه الأزمة. غير أن ذلك الأمر كان يتطلب الاعتراف بأن النظام المالي، بالطريقة التي يعمل وفقاً لها في الوقت الراهن، قائم على أسس وقواعد زائفة تماماً. ولسوء الحظ، فإن لدينا فكرة قائمة على التشدد في مفهومنا إزاء دور الأسواق، حيث إن تلك الأيديولوجية هي المهيمنة والسائدة في الوقت الراهن. وتقوم هذه الفكرة على أن باستطاعة الأسواق أن تصحح نفسها بنفسها. وهذا أمر زائف وكاذب، لأننا نجد في عالم الواقع أن السلطات المختصة هي التي تتدخل لإنقاذ الأسواق لدى مواجهتها للمشكلات. والحقيقة هي أننا شهدنا منذ الثمانينيات من العقد الماضي خمس أو ست أزمات، حيث ما تزال في الذاكرة وقائع الأزمة المصرفية الدولية عام 1982، وإفلاس كونتيننتال إلينوي عام 1984، والفشل الذي تعرضت له لونغتيرم كابيتال مانجمنت عام 1998، إذا شئنا الاكتفاء بأن نذكر ثلاث أزمات فقط.
كانت السلطات في كل مرة هي التي تتولى التدخل لإنقاذ الأسواق، أو تعمل على ترتيب أوضاع الشركات لكي تقوم بمثل هذه المهمة وقت الأزمات. وعلى ذلك، فإن على السلطات التشريعية أن تستفيد من السوابق التي أصبحت في حوزتها. غير أن ما حدث هو مزيد من القناعة أن الأسواق قادرة فيما بعد على استعادة توازنها الداخلي، كما أن الانحرافات التي تشهدها تلك الأسواق عشوائية. واقتنع عدد كبير من المؤسسات العاملة في الأسواق بسلامة وصحة مثل هذه الأفكار، وبالتالي فإنها اتخذت قراراتها الاستثمارية بناءً على مثل هذه القناعة.
إن الوقت الراهن يتصف بعدد كبير من الممارسات الاستثمارية المعقدة، على شاكلة مقايضات العجز الائتماني التي تجعل من الممكن بالنسبة للمستثمرين المراهنة على احتمال مواجهة الشركات لحالات من العجز عن الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بسداد القروض. وتصل هذه المراهنات إلى حجم من الائتمان يبلغ نحو45 تريليون دولار من معاملات الأسواق التي لا تخضع لأي شكل من أشكال التشريعات. ويصل هذه المبلغ إلى أكثر من خمسة أضعاف قيمة سوق سندات الحكومة الأمريكية. ولم يتم لغاية الوقت الراهن إدراك المخاطر الكبرى التي يحملها هذا النوع من الاستثمارات.
هل يمكن لكل هذا العدد الكبير من الناس الأذكياء عدم إدراك هذا الأمر؟
إنني أقدم في ثنايا كتابي الجديد نظرية عامة عن الأفعال الانعاكسية، حيث أؤكد مدى أهمية المفاهيم الخاطئة في تشكيل التاريخ. وعلى ذلك، فإن مثل عدم الإدراك هذا ليس من الأمور غير العادية، بل إن الأمر هو أننا لا ندرك مثل هذه المفاهيم الخاطئة.
من هم الذي كان بإمكانهم إدراك ذلك؟ لقد قلت إنه كان بالإمكان تجنب حدوث مثل هذه الأزمة إذا فهم الناس ما الأمور الخاطئة المتضمنة في النظام الحالي. فمن ذا الذي كان عليه أن يدرك هذا الأمر؟
إنها السلطات، وكذلك الجهات التشريعية، أي بنك الاحتياطي الفيدرالي، إضافة إلى وزارة الخزانة في الولايات المتحدة، حيث إنهما أخفقا بالفعل في إدراك الأمور التي كانت تتحدث. وسبق لأحد رؤساء بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وهو إدوارد جرامليتش، أن حذر من أزمة مقبلة في الرهون العقارية، وذلك في خطاب له تم نشره عام 2004، وكذلك في كتاب له ألفه، ونشره في عام 2007. وجاء ذلك ضمن عدد كبير من البيانات التحذيرية بهذا الخصوص. وعلى ذلك، فإن عدداً من الناس استطاعوا رؤية ما هو مقبل من الأحداث، بينما لم ترد السلطات المعينة أن ترى، بطريقة أو بأخرى، أن هذه الأحداث آتية، ولذلك جاءت بمثابة مفاجأة.
ماذا عن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بن برنانكي، وسلفه ألان جرينسبان؟
إن كل السابقين معنيون، ولكنني لا أحملهما المسؤولية الشخصية عما حدث، لأنهما أشخاص يعملان ضمن أطر مؤسسية ذات علاقة بكل هذه الأمور. وقد طورت مهنة علم الاقتصاد نظريات "مسارات عشوائية"، و"توقعات منطقية" من شأنها أن تحسب حساب التحركات التي تشهدها الأسواق. وإن ذلك هو ما تتعلمه في الجامعة. أما حين تتخرج، وتبدأ العمل الفعلي في الأسواق، فإنك تميل إلى نسيان كل ذلك، لأنك تدرك أن الأسواق لا تعمل بهذه الطريقة. غير أنها تظل، رغم كل ذلك، إحدى القواعد التي يقوم عليها تفكيرك.
إلى أي مدى تتوقع أن يبلغ سوء الأمور؟
تدركين كما تظهر الحجج التي تستند إليها نظريتي، أنه ليس بإمكانك وضع توقعات غير مشروطة، لأن هذا الأمر يعتمد كثيراً على الكيفية التي تنظر بها السلطات المعنية للوضع القائم في الوقت الراهن. غير أن من المؤكد أن هذا الوضع هو أسوأ بكثير من درجة إدراك هذا الأمر في الوقت الراهن. ولقد شهدنا ارتباكاً عاماً في عمل الأسواق المالية بصورة أسوأ بكثير من أي حالة شهدناها من قبل. ونجد فيما نرى أن المشكلات القائمة في أيامنا هذه بخصوص أزمة سوق الإسكان ينتظر أن تدخل مراحل أشد وأسوأ بكثير مما هي عليه الحال في الوقت الراهن، لأن الأسواق تبالغ في نشاطاتها، وإن كان ذلك يتم في الوقت الحالي باتجاه الجانب السلبي والتنازلي، وهي بالفعل مستمرة في الانحدار بهذا التوجه التراجعي.
تقول إن أزمة الإسكان ستزداد سوءا، فهل تتوقع إجراءً ما، كأن تؤسس الحكومة وكالة، أو صندوقاً، لشراء مثل هذه الرهونات؟
إنني على ثقة تامة بأنه سيكون من الضروري إيقاف هذا الاتجاه التراجعي، وأتوقع أن يتم ذلك بصورة أسرع وأعمق، من كل ما يتم توقعه في هذا الوقت. وكان معدل تراجع أسعار المنازل 25 في المائة في شهر شباط (فبراير)(على أساس الحساب السنوي)، كما أن هذا التراجع يشهد حالة من التسارع. وسوف تعمل عمليات الاسترداد القانوني للمنازل على إضافة أعداد كبيرة من المنازل إلى جانب العرض، حيث إن معدل المنازل الجديدة التي يتم بناؤها سنوياً هو نحو 600 ألف منزل. وهنالك نحو ستة ملايين منزل يتم تمويلها بواسطة الرهون العقارية. ومن المتوقع أن يعجز 40 في المائة من أصحابها عن سداد التزاماتهم المالية خلال العامين المقبلين. ولدينا إضافة إلى كل ذلك الرهونات التي تقع تحت بند معدل الفائدة القابل للتعديل، وغير ذلك من القروض المرنة.
ومن المنتظر أن تكون المشاكل ذات العلاقة بمثل هذه الرهونات تحت بند معدل الفائدة القابل للتعديل، مساوية للمشاكل ذات الارتباط المباشر بالرهون العقارية. وبالتالي، فإن بالإمكان توقع وجود أكثر من خمسة ملايين حالة عجز عن سداد القروض خلال سنوات مقبلة. ويستغرق الأمر بعض الوقت إلى حين اكتمال عملية الاستيلاء القانوني على المنازل في الوقت الراهن. وإذا كان عدد المنازل التي سوف تدخل جانب العرض في الوقت الراهن يراوح بين 100 و200 ألف، فإن هذا العدد مرشح لأن يشهد زيادة كبيرة. وعلى ذلك، فإنني لا أعتقد أبداً بسلامة وجهة النظر التي تقول إن الاقتصاد الأمريكي سوف يشهد حالة من التحسن خلال النصف الثاني من هذا العام.
إلى متى يمكن أن يستمر ذلك؟
يعتمد ذلك على الوقت الذي تصحو فيه السلطات المعنية، لأننا بحاجة إلى تقليل حالات الاستيلاء القانوني على المنازل، وكذلك فإننا بحاجة إلى أن نقوم بكل ما في وسعنا القيام به للإبقاء على أكبر عدد من مالكي المنازل في منازلهم حتى لا تتكدس هذه المنازل في سوق العرض، وتزيد من الأعباء الضاغطة على الأسواق. ولا بد لنا من إيقاف حالة التراجع هذه التي تشهدها أسعار المنازل في الولايات المتحدة، كما أننا بحاجة كذلك إلى وقف المعاناة الإنسانية، والفوضى الاجتماعية لأنها ستكون حادة للغاية. ونتعرض مجتمعات كثيرة بالفعل إلى كثير من حالات الأذى، وبالتالي فان طرد الناس من منازلهم سوف يضيف الكثير من السوء إلى الوضع القائم. ولا بد من اتخاذ الإجراءات اللازمة، ولكنني لا أرى أن ذلك لا يمكن أن يتم في ظل الإدارة الأمريكية الحالية.
#2#
قلت إنه توجب على بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن يتحرك لتنظيم شراء بنك جي بي مورجان لبنك بيرشتيرنز في سبيل الحيلولة دون كارثة على نطاق أوسع . وقلت كذلك إن الاحتياطي الفيدرالي تحمل مخاطر كبرى حتى يتمكن من القيام بذلك. فهل هذه الدرجة من المخاطرة التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي تعتبر تصرفاً غير سليم؟
إن هذا هو عمله وواجبه، سواء كان سليماً أم لا. وإنني لا أعتقد أن الإجراء كان حاداً بهذه الدرجة، غير أن تلك هي مهمة الاحتياطي الفيدرالي التي تتمثل في إنقاذ النظام حين يكون في وضع خطير. وإذا كانت هذه هي مهمة الاحتياطي الفيدرالي، فإن مهامه يجب أن تشمل إضافة إلى ذلك العمل من أجل الحيلولة دون تطور الفقاعات. غير أن الاحتياطي الفيدرالي لم يؤد مثل هذه المهمة. وسبق لألان جرينسبان أن تحدث في السابق عن "الوفرة غير العقلانية" في الأسواق. وكانت لذلك الحديث أصداء سيئة، حتى إنه توقف عن الحديث عن الأمر. ومن المقبول، بصورة عامة، أن الاحتياطي الفيدرالي يحاول السيطرة على التضخم المركزي، ولكن ليس على أسعار الموجودات غير أنني أرى، من جانبي، إن مهمة السيطرة على أسعار الموجودات يجب أن تكون هدفاً من أهداف الاحتياطي الفيدرالي في سبيل الحيلولة دون تكون الفقاعات التي أصبحت شديدة التكرار.
هل هذا أكبر مما يفعله الاحتياطي الفيدرالي في الوقت الراهن؟
إن ذلك أكبر مما يفعله هذا البنك في الظروف الراهنة، وعليك أن تدركي أن مجرد الاكتفاء بالسيطرة على العرض النقدي لا يؤدي إلى السيطرة على الائتمان، وتدركين كذلك أن الأموال والائتمان لا يسيران يداً بيد، حيث إن المبدأ النقدي لا يصمد هنا. وعليك أن تأخذي في الاعتبار الرغبة في الإقراض التي إذا كانت كبيرة للغاية، أي إذا كان بإمكان المقترض اقتراض مبالغ كبرى دون شروط أمان كافية، فإنه يتعين فرض متطلبات خاصة على هذه القروض من أجل عدم تشجيع التوسع فيه.
إن لديك أكثر من مجرد خبرة قليلة حين تتحدث عن العملات، حيث تم وصفك بأنك الرجل الذي أدى إلى إفلاس بنك إنجلترا في التسعينيات من القرن الماضي. فما توقعاتك بالنسبة لتوجه الدولار، حيث شهدناه في حالة من التراجع. وهل تعتقد أن البنوك المركزية سوف تتدخل لوقف ذلك التوجه التراجعي؟
أعتقد أننا قريبون من نقطة الذروة، وأعتقد أن رغبة البنوك والبلدان في الاحتفاظ بالدولار تشهد تراجعاً. غير أنه ليس هنالك من بديل واحد، وفي الوقت ذاته ملائم للدولار. ولذلك، فإن البنوك المركزية تلجأ إلى حالة من التنويع من خلال الحصول على عدد من العملات الأخرى، رغم وجود هروب عام من هذه العملات. وعلى ذلك، فإن البلدان ذات الفوائض الكبرى، مثل أبو ظبي، والصين، والنرويج، والمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، أنشأت صناديق ثروة سيادية، وهي صناديق استشارية تملكها الدول، وتحتفظ بها البنوك المركزية التي تهدف إلى تنويع موجوداتها من خلال تحويلها من موجودات مالية إلى موجودات فعلية. ويمثل ذلك أحد أهم التطورات الحالية، كما أن هذه الصناديق السيادية تشهد حالة من النمو المستمر. ويعادل حجمها الحالي الحجم الإجمالي لجميع صناديق التحوط القائمة في العالم حالياً. وطبيعي أنها لا تستخدم رساميلها بدرجة الكثافة التي تحرك فيها صناديق التحوط ما لديها من رساميل. غير أن من المتوقع أن يزيد حجم أموالها على خمسة أضعاف ما لدى صناديق التحوط من أموال خلال السنوات العشرين المقبلة.
إلى أين يتجه الدولار في رأيك؟
الحقيقة هي أنني لا أعرف ذلك، وأستطيع أن أرى الاتجاه، ولكنني لا أستطيع إدراك قوته، كما أنني لا أعرف متى يمكن أن يحدث أمر ما يمكن أن يعمل على قلب هذا الاتجاه. وما إن يستقر الاقتصاد، فإن من المحتمل أن يتم تصحيح هذا المسار يوقف الاندفاع الذي تشهده تحركات العملات.
قليلون من الناس هم الذين يعرفون عن صناديق التحوط بأكثر مما تعرف، حيث كنت في غاية النجاح في إدارة صندوق التحوط الخاص بك. فهل يجب أن تخضع صناديق التحوط إلى مزيد من التشريعات من جانب واشنطن؟
أعتقد أنه يجب خضوع صناديق التحوط للتشريعات، شأنها شأن جميع الجهات الأخرى. وأعني، بكلمات أخرى، أن عليك تقييد المديونية التي يتم الحصول عليها لتمويل النشاطات الاستثمارية، بشكل أو بآخر، حيث إن الاستخدام المبالغ فيه للغاية لمثل هذا الشكل من أشكال المديونية يشكل أساس هذه الأزمة. وكان هناك عدد من صناديق التحوط التي كانت تستخدم مثل هذا الشكل من المديونية بصورة مبالغ فيها، إذ إن عدداً من تلك الصناديق أفلس بالفعل. ولا بد من فرض التشريعات على مقادير المديونية التي تسمح للناس بالحصول عليها. وأعتقد أن أفضل من يقوم بهذه المهمة هي البنوك. وأعني بذلك أن البنوك يمكن أن تقوم بهذه المهمة من خلال الاحتياطي الإلزامي التي يتم إجبار البنوك على الاحتفاظ به. ويجب أن يتم تفصيل ذلك وفق مقاييس مخاطر زبائن هذه البنوك. وعلى ذلك فإنه يجب النظر بخطورة إلى نشاطات الصناديق التي تحصل على الكثير من المديونية لأغراض استثمارية. وهذا يعني، في نهاية الأمر، أنه يجب عدم السماح لتلك الصناديق بالحصول على المديونية التي تبحث عنها لأن البنوك لا ترغب في تقديم مثل تلك المديونية.
هل ستؤدي التشريعات الجديدة إلى وقف قدرة صناديق التحوط على أن تكون من اللاعبين الكبار، كما كانت عليها حالها في الأسواق؟
نعم، حيث إنني أعتقد أنه كانت هنالك تجاوزات كبرى في استخدام الائتمان، بحيث لا بد من الحد من ذلك التوجه. ونحن نشهد في الوقت الحاضر موجة سريعة للغاية من التخلص من المديونية، وعلينا ألا نسمح في المستقبل بحدوث حالة من إمكانية التوسع في استخدام الائتمان بالصورة التي حدثت خلال السنوات القليلة الماضية.
سبق لك أن كتبت" إننا نشهد نهاية فترة". فحين تنتهي هذه الأزمة الائتمانية الحالية، فهل سوف يظل اليقين قائماً بأن الولايات المتحدة ستظل القوة الكبرى في العالم على الصعيد الاقتصادي؟
لن يستمر ذلك أبداً، حيث إنه الآن موضع تساؤل، كما أننا دخلنا الآن مرحلة مهمة من حالة عدم اليقين، واضطراب الشديد بسبب الهروب العام من العملات الذي يجسد نفسه في أزمة السلع التي تطورت. ولم يبلغ سعر الذهب بعد السعر الذي يمكن أن يصله. وعلى ذلك، فإن نتائج هذه الأزمة ما تزال بمثابة أسئلة مفتوحة. وأظن أنه سيجب علينا إعادة تكوين الهندسة المالية العالمية، نظراً للإدراك أن الثقل الاقتصادي قد تحول بالفعل بين عدد من دول العالم، إذ إن أهمية الصين والهند ازدادت بصورة ملحوظة، وكذلك هي حالة عدد من بلدان العالم الأخرى. وأما أي شكل من النظام يمكن أن ينجم عن ذلك، فهو سؤال مفتوح في نظري.
ماذا عن الصين، وما مدى قدرتها على أن تصبح منافساً اقتصادياً؟
إن الصين دولة ناهضة بالفعل، حيث إنها كانت المستفيدة الرئيسية من العولمة، كما أن قيمة العملة الصينية مخفضة بصورة شديدة. ولا بد للصينيين من السماح لهذه العملة بالارتفاع، وذلك لعدد من الأسباب، على أن يبلغ ذلك 10 في المائة في الوقت الحالي. والحقيقة أنها حققت ارتفاعاً يراوح بين 15 و20 في المائة. وسيزيد هذا الأمر من الصعوبات التي يواجهها الاحتياطي الفيدرالي، حيث إن ذلك يجعل السيطرة على التضخم أمراً متزايد الصعوبة، لأنك لا بد أن تتوقع زيادة في معدل التضخم المركزي بسبب زيادة أسعار البضائع التي تستوردها الولايات المتحدة من الجانب الصيني بنسبة 15 في المائة، إذ من المعروف أن ذلك يصب في زيادة معدل التضخم المركزي. وأن أسعار البضائع في "وول ستريت" تشهد حالة من التزايد، كما أن ذلك سيتحول إلى تسارع أعلى في وقت لاحق.
بينما يعتقد الناس أن من الأرخص لهم شراء البضائع من الصين، فإنك تقول إن الأسعار تتجه نحو الارتفاع. وهذا أمر يؤثر في كثير من المواد التي نقوم بشرائها في الولايات المتحدة. فماذا عن روسيا، وإلى أين يمضي اقتصادها؟
الواقع هو أن روسيا مستفيدة في الأساس من ارتفاع أسعار النفط، ولكنها تعمل في الوقت على ترسيخ ودعم أسس تكوين نظام حكم أقلية، حيث لا يتم في ظله احترام حقوق المستثمرين. ونرى في الوقت الراهن تلك المطاردة التي تتعرض لها شركة البترول البريطانية في روسيا. ولذلك فإنك تتحمل المخاطر بنفسك إذا قررت الاستثمار هناك. وقد قمت بذلك في السابق، ولكنني لن أكرر مثل هذا الاستثمار مرة أخرى.
هل ما تقوله بشأن الوضع في روسيا هو أن الحرية السياسية، والحرية الاقتصادية، أمران منفصلان؟
إن انعدام الحرية السياسية يعمل كذلك على هضم حقوق حملة الأسهم، وبالتالي فإن تلك المناطق تصبح غير ملائمة من حيث توجيه الاستثمارات إليها، لأن المرء لا يجد بالفعل سيادة القانون وسريانه. وتشهد الصين تطوراً إيجابياً للغاية بهذا الخصوص، حيث إن سلطة القانون تزداد قوة في الصين، على الرغم من عدم وجود الديمقراطية فيها.
هل الصين هي الاقتصاد الناشئ الأعلى جاذبية؟
إن صورة الهند في الوقت الراهن تبدو جيدة للغاية كذلك.
دعني أذكر نقطتين إضافيتين لأنهما تتركزان بقوة في أذهان قادتنا هذه الأيام. وإن إحداهما هي خوض الحرب على الإرهاب. فهل يجب على الرئيس المقبل (باراك أوباما) أن يكون مستعداً للجلوس مع زعماء منظمات على شاكلة حماس، أو حزب الله، أو بلدان مثل إيران؟
نعم، وبصورة قاطعة. وقد ألفت كتاباً آخر جادلت فيه بأن كل فكرة "الحرب على الإرهاب" إنما هي مفهوم مضلل لأنها جعلت هذا البلد يسير على المسار الخاطئ. وكانت هذه الفكرة مسؤولة عن قيامنا بغزو العراق تحت توجهات خاطئة، بحيث سرنا نحو تراجع في نفوذنا السياسي، وقوتنا العسكرية بصورة لم يسبق لها مثيل.