بيان واشنطن .. التزام بالاقتصاد الحر" المنضبط" والرأسمالية المسؤولة
اعتبر اقتصاديون سعوديون أن بيان واشنطن الصادر عن قمة مجموعة العشرين أمس، يشكل وثيقة مهمة لتصحيح مسار الرأسمالية ومسار الاقتصاد الحر، مشيرين إلى أن ذلك أكد رغبة قادة العالم المشاركين في القمة في ضبط النظام المالي العالمي بمزيد من أطر التنظيم والمراقبة، خصوصا تلك الأسواق التي كانت تسير نفسها بنفسها.
الاقتصاديون استبعدوا أن يحدث البيان أثرا مباشرا في الأزمة المالية، ورأوا أن يحتاج البيان إلى قمم أخرى تقر الآليات والجهات التي يمكن أن تنفذ ما ورد فيها خصوصا تلك المتعلقة بالرقابة.
#3#
وهنا يؤكد الدكتور عبد الرحمن الحميد، شريك رئيس في شركة الحميد والنمر للاستشارات المالية، أن البيان أكد انتصار رغبة الدول الأوروبية ومعها عدد من الدول الصاعدة في ضرورة مراقبة الأسواق، وهو ما كانت ترفض أمريكا، وقال" خلال السنوات الماضية كان الاقتصاد الأمريكي غير منضبط، وترك بعض القطاعات المالية دون رقيب، اعتمادا على النظريات التي تتحدث عن تصحيح السوق لنفسها، ولكن مع تغير الاقتصاد وتسارع العمليات المالية فيها وطبيعتها حدثت الكارثة، فكان واجبا أن يتم ضبط الأمور من جديد وعبر الحكومات".
وبين الدكتور الحميد أن تأكيد البيان على سن معايير دولية للتصدي للمراكز الحرة وفرض رقابة على صناديق المضاربة وإصلاح الإدارة العالمية، هي خطوات رائعة لتصحيح مسار الاقتصاد الحر وتشديد على أهمية الرأسمالية في الاقتصاد العالمي ولكن "المسؤولة".
وأضاف" سيكون هناك تأثير مباشر في الأسواق جراء تفعيل تلك القرارات، والتي يأتي في مقدمتها تعزيز مبادئ حوكمة الشركات وضبطها، إلى جانب عمليات التداول وتوظيف الأموال".
وعن تأكيد البيان حول إصلاح المؤسسات المالية الدولية والإدارة العالمية وتأكيده على ضرورة تعظيم دور الدول الناشئة والدول الفقيرة، قال الحميد" من الطبيعة أن تؤكد الدول الغنية على تشجيع دور الصندوق والبنك الدولي في مساعدة الدول النامية والفقيرة لأن في ذلك إنعاش للاقتصاد العالمي، من خلال خلق طلب عال على السلع والمنتجات التي تصدرها تلك الدول".
وأشار الدكتور الحميد إلى أن وضع البيان مدة زمنية لمراجعة القرارات يؤكد مصداقية القادة في إزالة الألم عن جسد الاقتصاد العالمي عبر اتخاذ خطوات متقدمة نحو الأمام، وزاد" تحديد خطة عمل قمة العشرين 31 آذار (مارس) 2009 موعدا لمراجعة إنجاز دفعة أولى من الإجراءات لإصلاح نظام الرقابة المالية، وعقد قمة أخرى في نيسان (أبريل) المقبل ستحدث أثرا ملائما في الأسواق على المدة القريب وتحركا أوسع للاقتصاد العالمي على المدى البعيد".
#4#
من ناحيته يستبعد الدكتور إحسان بو حليقة، اقتصادي سعودي أن يحدث البيان الصادر عن قمة أكبر 20 اقتصادا في العالم أي أثر في الأزمة التي وصفها بالعميقة، وقال" عمق الأزمة يجعل من الصعب القول إن اجتماعا ليوم واحد يمكن أن يعيد للاقتصاد العالمي مساره الطبيعي، وهذا ما أكده القادة من خلال الحديث عن اجتماعات لاحقة".
وزاد" المجتمعون كان لديهم وجهات نظر منقسمة أكثر من أي وقت مضى حيال عديد من القضايا منها الهيمنة الأمريكية على القرار الاقتصادي، ودور المؤسسات الدولية وحرية الأسواق التي تريدها أوروبا رشيدة فيما تصر الولايات المتحدة على حريتها".
وتابع" الدول النامية تعتقد أنها قلبت الطاولة على مجموعة السبعة الكبار، وتنهتج الدول النامية في العشرين مسلكا جديدا وهو المشاركة في إدارة اقتصاد العالم"
وبين أبو حليقة أن البيان يكاد يكون " بيان نوايا" لأن تطبيق ما ورد فيه يحتاج إلى جهات منفذة وآليات عمل لم تؤسس بعد، وقال" لا توجد هيئة أو جهة في العالم يمكنها أن تفرض رقابة داخل أسواق الدول المتقدمة، ولعل ما يمكن فعله هو تعزيز تلك الدول من رقابتها على أسواقها لا أكثر".
#5#
ويتفق الدكتور عبد الوهاب أبو داهش، مستشار اقتصادي، مع ما ذهب إليه الدكتور بو حليقة من أن البيان أكد جدية القادة في التصدي للأزمة التي تعصف باقتصاد العالم بجهود مشتركة، ولكن الأسواق تترقب آليات لتطبيق تلك التوصيات، وأضاف" الدول المتقدمة معنية بتطبيق تلك التوصيات أكثر من غيرها لأنها المعنية بالأزمة وأسواقها المنتجة لتلك الثغرات، كما أنها التي تمتلك الصناديق ولديها أكبر البنوك".
وقال أبو داهش" فرض الرقابة مهمة أساسية للقمة، ولكن من ينفذها تكمن المشكلة، وباختصار يجب إخضاع البنوك الاستثمارية في الأسواق للرقابة من قبل المؤسسات المحلية أو مؤسسة دولية متخصصة، كما هو حال مراقبة بنك التسويات الدولي لأداء البنوك التقليدية".
وبين المستشار الاقتصادي أن من المهم التأكيد على أن تدخل الحكومات يجب أن يكون عن طريق الأنظمة والتشريعات وليست المشاركة رغم اضطرار بعض الحكومات لشراء رساميل بعض البنوك ولكن لفترة محدودة، وزاد" يجب أن نحافظ على عمل الشركات والمصارف تبعا لآليات السوق حفاظا على عدالة الأسعار والاكتفاء بالتشديد في الأنظمة الرقابية.
وأوضح أبو داهش أن إقرار قادة العشرين اجتماعات لاحقة إشارة واضحة إلى أن هناك متابعة دورية ومستمرة لمسار التوصيات وللأزمة المالية، مشيرا إلى أن ذلك مؤشر إيجابي للأسواق في الوقت الراهن.
وتابع أبو داهش حول توصيات البيان بخصوص المؤسسات الدولية" لدى المؤسسات الدولية دور تلعبه في السابق ولكن الأزمة فرضت عليها تحديات أكبر تتمثل في قدرتها على فرض سياستها في الأسواق المتقدمة خصوصا سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين".
وسعى قادة أكبر اقتصادات العالم أمس السبت إلى تسوية خلافاتهم المتبقية بشأن خطة طارئة لمواجهة أسوأ أزمة مالية تعتري الاقتصاد الدولي منذ عقود.
واجتمع رؤساء الدول والحكومات من قوى العشرين بزعماء اقتصادات جدد ذوي ثقل لأول مرة وجها لوجه مثل الصين عملاق التصدير والسعودية الغنية بالنفط والبرازيل للتوصل إلى رد فعل عالمي على الأزمة.
#2#
وتتزايد المؤشرات على تراجع اقتصادي مؤلم في مناطق كثيرة من العالم مع انزلاق منطقة اليورو في ركود لأول مره في تاريخها بحسب بيانات الأسبوع الماضي وارتفاع البطالة في الولايات المتحدة ودول أخرى وتباطؤ اقتصادات صاعدة.
واتفق القادة على بدء سلسلة من الاجتماعات في محاولة لتعزيز الاقتصادات الضعيفة، إذ من المتوقع أن يمهد اجتماع أمس الطريق لمزيد من الجهود في الشهور المقبلة وقمة أخرى ربما تعقد في آذار (مارس) عندما سيكون بمقدور الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما النظر في إدخال تعديلات واسعة على النظام المالي.
وإلى جانب التنظيم الرقابي الجديد بحث الزعماء سبل تعزيز دور الاقتصادات الصاعدة في مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي بعدما أصبحت بفضل احتياطياتها النقدية الهائلة من عائدات التصدير لاعبا اقتصاديا رئيسا، ومن المرجح أيضا أن يكشف القادة عن نوع الإجراءات التي تعتزم دولهم اتخاذها للحد من تأثير التباطؤ الاقتصادي مثل زيادة الإنفاق العام.
وقالت تقارير إعلامية إن أوباما قال في حديث إذاعي أمس السبت إنه سعيد بأن بوش" بدأ هذه العملية لأن أزمتنا الاقتصادية العالمية تتطلب استجابة عالمية منسقة".
وقد بعث أوباما بوزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت وعضو الكونجرس الجمهوري السابق جيم ليش للالتقاء في عطلة نهاية الأسبوع مع القادة العالميين ومستشاريهم بالنيابة عنه.
يشار إلى أن مجموعة العشرين تجمع بين اقتصاديات الدول الصناعية والنامية. و يمثل مؤتمر واشنطن أول مرة يلتقي فيها زعماء مجموعة العشرين سويا، وهي إشارة إلى الأهمية المتنامية للاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل.