السوق الحرة في صالح الأغنياء فقط .. ولا وجود لها في الواقع

السوق الحرة في صالح الأغنياء فقط .. ولا وجود لها في الواقع

شدد الدكتور عبد الرحمن المحمود على أن الهيمنة الأمريكية على العالم والظلم الذي حصل منها في البلاد الإسلامية ومحاربة الإسلام هي التي أوقعتها في هذه الأزمة الكبرى، مؤكدا أهمية إعادة النظر والتدبر في الأسباب الحقيقية للأزمة المالية العالمية، وأن العالم أصبح في حمى إعلامية لمواكبة الأزمة، جاء ذلك في محاضرة له ألقاها في أحدية محمد الجبر الرشيد.
وأوضح الدكتور عبد الرحمن المحمود الأستاذ في كلية أصول الدين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن الدول تستفيد من الشركات الكبرى تسلطا وهيمنة على الدول الأخرى، وضرب مثالا بسوق المعدات العسكرية والسلاح المحتكرة على دول معينة، وهو سوق لا تنطبق عليه مبادئ السوق الحرة التي يدعونها، وأن الأسواق الغربية الحرة تمنع التجارة بالمواد الضارة وما شابهها، وما أدى إلى الانهيار حقا أن حرية السوق صارت بلا ضوابط ، فلما سقطت كراتين الديون المتخيلة سقط ما تحتها.
واستنتج الدكتور المحمود من تأملاته وبحثه للأزمة أن الظلم الذي وقعت فيه أمريكا ومن دار في فلكها، من محاربة الإسلام والتوحيد، والدعوة إلى عبادة الله، واتهامه بشتى التهم ونشر الشرك ومختلف ألوان الإلحاد، مؤكدا في الوقت نفسه أن ظلم بعض الشعوب بغزوها عسكريا مثل العراق وأفغانستان والصومال حيث غزتها إثيوبيا بتمويل تام من أمريكا، هو ظلم كبير وتدمير لهذه الشعوب، وقتل لمئات الآلاف وتشريد للملايين، وهي جرائم عجيبة من دول تعلن انتصارها للحرية وتعلن ذلك على رؤوس الأشهاد.
وذكر المحمود أن الأزمة المالية العالمية تحدث فيها الكثير من كتاب ودراسات ووسائل الإعلام المختلفة ملئت بالكتابة حولها، وتوقع أن تصدر كتب عن الأزمة في فترة قريبة، مبينا أن القراء أصبحوا متخمين بالقراءات والتحليلات بالعربية، أما اللغات الأخرى فلا يكاد يحصي المكتوب فيها أحد.
وأوضح أن الواجب على المسلمين في مثل هذه الأزمة التفكر والاستفادة من العبر والدروس الفكرية والاقتصادية التي نحتاج إليها كأمة مسلمة، خاصة أن هذه القضية العالمية الكبرى أثرت في العالم كله، ووصلت إلى المتسبب وغير المتسبب وعلى الصالح والطالح والله عز وجل يقول: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)، ولذلك فدراسة هذه الأزمة دراسة متأنية متخصصة أصبحت أمرا ملحا، لنعرف أثرها في المجتمعات العامة من الدول إلى أخص الخاصة كالأسر ونحوها.
وقال الدكتور المحمود إن الأزمة رسخت إجابة السؤال والاختبار الكبير عن مدى تطبيق الغرب الاقتصاد الحر، حيث إنهم منذ أن حلت عليهم الأزمة، اتجهوا مباشرة إلى البديل الاشتراكي، وأدخلوا الدولة لتتحكم في الاقتصاد، ومن المعروف أن في مقابل النظرية الاشتراكية: النظرية الرأسمالية، ويلاحظ المتأمل إهمالهم النظرية الاقتصادية الإسلامية مع أنها حققت نجاحات في العالم الإسلامي.
وأكد أن النظرية الاقتصادية الإسلامية أصبحت معروفة عالميا، وهي الحل الأمثل لأن الدولة لا بد أن تتدخل في تنظيم الاقتصاد، كما يحدث في النظام الإسلامي، ولذلك نرى أن دولا غربية مثل فرنسا وألمانيا تريان التوسع في تدخل الدولة لعلاج الأزمة الحالية، مبينا أن الغرب تنازل عن حرية السوق الكاملة، مما يثبت أنها ليست كما يدعون حرية كاملة، حيث إنها حرية لأجل الأغنياء ولا تلتفت إلى الفقراء.
وقال المحمود إن حساب الضرائب على الدخل الفردي من أكبر الأخطاء في النظام الرأسمالي، فالتاجر الذي يملك مليارات الدولارات وأدخل في السنة عشرة ملايين لا يحاسب إلا على دخله العشرة ملايين هذه، وتاجر آخر رأس ماله عشرة ملايين، وأدخل في السنة عشرة ملايين يحاسب على العشرة التي أدخلها شأنه كشأن سابقه، ومن ثم فإن الرأسمالية الغربية لصالح رؤوس الشركات.
وذكر أن استعباد الولايات المتحدة الشعوب والحكومات وفرض الأوامر عليها وتغيير سياساتها، ونشر الفواحش كالمثلية وغيرها هي من أسباب الأزمة الحالية، خاصة أنها أصبحت امبراطورية ظالمة مستعمرة متغطرسة، والله يمهل الظالمين لكنه يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، سواء على الأمم أو على الأفراد ، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر معاذا أن يتقي دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، مهما كان هذا المظلوم مسلما أو غيره.
ورأى الدكتور المحمود أن نهب الجنود دريهمات الفقراء، وتشريد المستضعفين لن يكون بعيدا عن عقوبة رب العالمين ودعاء أولئك المشردين والثكالى، ولذلك فعلينا أن نتدبر كأمة واحدة دولا ومسؤولين في عاقبة الظلم، لأن الظلم يقع من مختلف المستويات، وحتى الفرد العادي مع خدمه والعاملين عنده، عليه أن يتقي الظلم فإن عقوباته معجلة.
وعلق الدكتور عبد الرحمن المحمود بأن الاقتصاد الحر الليبرالي لا ينفصل عن الفكر الليبرالي، ورد على بعض العلمانيين العرب ممن أرادوا أن يكونوا ليبراليين أكثر من الليبراليين أنفسهم، وزعموا أن الأزمة لن تؤثر في الرأسمالية ولا في الليبرالية، وأن هذه قضية اقتصادية بحتة ولا تتعلق بالفكر الغربي، مع أن عددا من مفكري الغرب اعترف بذلك، منهم فوكوياما الذي كتب مقالة هدم فيها نظريته المشهورة عن نهاية التاريخ.
ووصف الدكتور المحمود هذه الأزمة بأنها نهاية الهيمنة الأمريكية وسقوط نظرية نهاية التاريخ، خاصة أن أمريكا وأوروبا أصيبتا في أهم أذرعة العولمة الغربية وهي المشغلة للأذرعة الأخرى وأهمها الذراع العسكري، مبينا أنه كما ظهرت تأثيرات الذراع الاقتصادي على الوضع الخارجي فإنها أثرت داخل أمريكا ، فقضية الرهن العقاري وتأثر الناس حتى أن الشارع نصف سكانه غير موجودين، وهذا نوع من التشرد لأن هذا الإنسان الذي عجز عن دفع قسط بيته لن يستطيع أن يستأجر بيتا آخر.

الأكثر قراءة