الولايات المتحدة تعمدت إضعاف الدولار لترويج سلعها في العالم
أكد الدكتور محمد القحطاني الأكاديمي الاقتصادي أن الولايات المتحدة تعمدت إضعاف الدولار لتحقيق الرواج للسلع التي تنتجها في العالم، مبينا أن تماديهم في سياسة إضعاف العملة تسبب في الأزمة مع مسببات أخرى، جاء ذلك خلال استضافته في منتدى المحمدية الأخير.
وقال الدكتور القحطاني أثناء محاضرته في منتدى المحمدية إن سياسة إضعاف الدولار كان يجب أن تكون وقتية ومحددة لأن لها جوانب سلبية، حيث أصبحت الولايات المتحدة بعد طول فترة إضعاف الدولار تعتمد على دول العالم في تمويل العجز، وارتفع الاستهلاك إلى تسع تريليونات دولار سنويا، في مقابل أن الإنفاق الاستهلاكي في الصين مثلا تريليون واحد فقط، مبينا أن عدد سكان الولايات المتحدة قليل مقارنة بالصين، ولذلك كان أكبر مدمر للسوق الأمريكي هم الصينيون الذين ركزوا استثماراتهم على الاستثمارات المضمونة الآمنة، فلما بدأت قيمة الدولار في الانخفاض سحب الصينيون استثماراتهم إلى أوروبا والدول النامية، لأن السوق الأمريكية سوق غير آمنة من ناحية القيمة الحقيقية لاستثماراتهم.
#2#
وبين الدكتور محمد القحطاني أن شتيغلتز وهو المستشار الاقتصادي للرئيس السابق بيل كلينتون اتهم الولايات المتحدة بإضعاف الدولار بشكل متعمد حتى تبني اقتصادها بشكل جيد، ويبدو ذلك صحيحا، لأننا إذا أخذنا تلاعب الحكومة الأمريكية بقيمة الدولار، ووضعناه في مقابل ارتفاع أسعار السلع الأوروبية وغيرها، لتصبح السلع الأمريكية ذات رواج، ولما ارتفعت أسعار البضائع المستوردة بشكل هائل في الولايات المتحدة، راجت فعلا البضائع الأمريكية حتى في الدول التي تربط عملتها بالدولار مثل المملكة.
وانتقد الدكتور القحطاني الصيغ القانونية التنظيمية للسوق المالية السعودية موضحا أنها ترجمت عن الإنجليزية بلغة عربية غير واضحة، مما يؤثر في مدى فهم العاملين والمتعاملين مع السوق موادها القانونية، وبين أن الجرائم المالية في العصر الحاضر أصبحت السيطرة عليها ممكنة، حيث إن هناك العديد من الوسائل والأدلة مثل الأدلة الجنائية، يستطيعون بها كشف الجرائم بشكل سريع.
وذكر أن الأزمة العالمية بينت للعالم أن كل شيء ممكن، موضحا أن ما كان متوقعا أن الشركات الهائلة أكبر من أن تقع مثل: "ليمان براذرز" و "ميريل لينش" التي بيعت بمبالغ ضئيلة جدا. وذكر أن الدورات الاقتصادية المتعاقبة أمر طبيعي فقد حدث ما يسمى بالكساد الكبير في الولايات المتحدة الأمريكية من قبل وهذه الهزات المتكررة هي مرحلة معروفة في مدرسة الدورات الاقتصادية المتعاقبة حيث تبدأ بالرواج ثم مرحلة عليا من الرواج إلى بطء في الرواج، لكن ما يحدث حاليا في العالم أكبر من الدورات الاقتصادية.
إنه في أواخر العشرينيات أقفلت البنوك أبوابها وخلال سنوات بسيطة ارتفعت نسبة البطالة بشكل كبير، وكان الناس في أزمة كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أن الناس لم يجدوا ما يأكلون وكان المحسنون يضعون طاولات عامة في الشوارع ليجد الناس ما يأكلون.
قبيل الأزمة التي حدثت في تشرين الأول (أكتوبر) 1920 كان هناك رواج كبير في الأسهم، مشكلة النظام الرأسمالي أنه يقوم على مبدأ أن الفرد إذا أعطي الحرية الكاملة فإنه يتصرف بأمواله بشكل صحيح لتنزل الثروة عموديا إلى الناس الذين يعملون عنده وهكذا، ويعد أن من مصلحة المجتمع بشكل عام العمل وفق ذلك، ويتوقع من الفرد أن يتصرف بعقلانية، لكن المفترض شيء والواقع شيء آخر.
وانتقد الدكتور القحطاني وضع القوانين المالية في الدول النامية، مبينا أن التنظيمات توضع لخدمة مصالح فردية، على أن المطلوب منها خدمة المجتمع بشكل عام، والذي حدث في السوق الأمريكية مؤشر لتتنبه هذه الدول لأسواقها المالية، وذكر أن أسهم الشركات أصبحت تباع بعشرات الآلاف من الدولارات بعد أن كانت قيمتها بالملايين، وأن الولايات المتحدة سعت بعد هذه الكارثة لحل المشكلة من خلال اجتماعات للكونجرس الأمريكي حيث خصص جلسة استماع لنظام يضبط التعاملات المالية التي تسببت في الأزمة.
وأوضح الدكتور القحطاني أن الولايات المتحدة تأثرت بخدع المساهمات الوهمية كما حدث في المملكة، مبينا أن هناك نظرية اقتصادية مشهورة تسمى "نظرية خدعة بونزي" وهي مثل فكرة تمور المملكة وغيرها، حيث يكون الشخص مجرد اسم فيفتح مكاتب للاستثمارات، ويغري المتقدمين الأوائل بأرباح كبيرة حتى يجلبوا المزيد من الناس وحين وصلت إلى مبالغ هائلة أقفل مكاتبه وهرب، وهذا ما دفع السوق الأمريكية إلى تشكيل هيئة قانونية تشرف على السوق كهيئة للسوق المالية الأمريكية في 1930 وانضبطت الأمور بعد ذلك ضبطا تاما، والتحديثات لهذه القوانين تجري باستمرار فور اكتشاف أي ثغرة نظامية.
وذكر الفارق بين مسؤولية الشركات في الولايات المتحدة وفي المملكة مبينا أن مدير الشركة في الولايات المتحدة يعد مديرا مسؤولا مسؤولية جنائية عما يحدث في شركته، حيث يتم تدقيق القوائم المالية التي تنشرها الشركة، بل حتى المدقق المالي مسؤول عما يحدث في شركته، وذكر أن صديقا له في الولايات المتحدة يملك مؤسسة كبيرة في مجال التكنولوجيا ولم يرغب في فتح شركته للمساهمة العامة فسأله: " لماذا لا تفتح شركة مساهمة وترفع رأس المال من خمسة وعشرين مليون دولار إلى مبالغ طائلة قال: لا أستطيع، قلت له لماذا قال : إنني في حال تحويل الشركة إلى شركة مساهمة فإنني ملزم بوضع نسخة من أي مذكرة داخلية لتكون متاحة للمساهمين ويمكنهم الحصول على نسخة منها.
وذكر أن القوانين الخاصة بالسوق المالية تطورت على مدى سنين طويلة مبينا أن هناك ضوابط قاسية جدا تطورت على مدى الزمن.
وأكد أن افتقاد السوق المالية الأمريكية الضوابط في ناحية الإقراض تسبب في الأزمة الأخيرة، ولذلك توسع الإقراض بشكل هائل ولذلك لم تتدخل الحكومة الأمريكية في وضع ضوابط حتى الآن لحل المشكلة، مشددا على أن المشكلة تبدو كأنها حدثت فجأة، مع أن بوادرها بدأت منذ التسعينيات، حين بدأوا بمنح الناس ما يريدون من قروض بشرط أن يكون مالكا لمنزل، ومن ثم يرهن المنزل في مقابل الدين الذي اقترضه.
وأضاف الدكتور القحطاني أن هذه الأزمات الاقتصادية لم تأت عبثا، إذ هي مفرزات سلوكيات إنسانية خاطئة، ولا بد من حد للسلوك الإنساني من خلال القوانين حتى تكون دافعا للمجتمع وضابطة لتصرفاته، وتطبيقات هذا الأزمات الاقتصادية هي في الحقيقة مترابطة، فالولايات المتحدة تستورد الكثير من السلع والخدمات، في وقت كان فيه الدولار منخفضا.