ثقافة الحوار .. تحتاج إلى ثقافة

ثقافة الحوار .. تحتاج إلى ثقافة

تعرّف الثقافة عمومًا بأنها مجموعة الأفكار والمبادئ والمفاهيم التي تسود مجتمع ما أو أسرة ما، وهذا التعريف العام لا يتعرض للناحية التطبيقية، لكن يمكن التعرف على ثقافة مجموعة ما من خلال الممارسات والأفعال التي يلاحظها الباحث بغرض معرفة الثقافة السائدة.
إذا كان المقصود هو شرح وعرض ثقافة ما، اعتمادًا على مصادر هذه الثقافة المكتوبة، فإن ذلك يختلف عن دراستنا للممارسات الفعلية لاستنباط الثقافة السائدة.
وأرجح أن المهم لمجتمعنا هو البحث في الممارسات لاستنباط الثقافات، ثم مقارنتها بما هو معلوم من النصوص المنقولة في مصادر الثقافة.
وليس المطلوب توزيع استبيان على مجموعة من الناس لمعرفة آرائهم حول الحوار مثلاً واستنباط ما يحملونه من ثقافة الحوار، وإن كان ذلك طريق عملي معمول به، لكن المطلوب في هذه المرحلة هو النظر في الأنظمة والقوانين واللوائح الملزمة ذات الثواب والعقاب، هل تعكس فعلاً ثقافة الحوار ومبادئه التي حظيت بالقبول على مدى التاريخ.
إن الحوار عملية تفاعلية تقتضي المناقشة بين طرفين أو أكثر في مسألة مختلف عليها. وقد يكون الحوار غير فاعل ويسمى حوار الطرشان، حيث لا يسمع أي طرف ما يقوله الآخر معتمدًا على ثقافته أنه صواب وغيره خطأ، وكل واحد منهما كالأطرش لا يَسْمَع ولا يُسْمَع.
وقد يكون الحوار فاعلاً، عندما يبدأ بثقافة أن طرفًا ما يحمل صوابًا يحتمل الخطأ، وأن الآخر يحمل خطأً يحتمل الصواب، وينتهي الحوار إما بالاتفاق على رأي معين مشترك بينهما، وإما الاتفاق على أن لكل منهما رأيا مستقلا مختلفا في المسألة، وهذا الأمر مقبول إذا خلت عملية الحوار من الهوى والكبر والعزة بالرأي.
ولذلك يمكن القول إن ثقافة الحوار تحتاج إلى ثقافة، فلا يمكن لأحد أن ينكر أهمية الحوار وفائدته في تقريب وجهات النظر وصولاً إلى الحق، ولكن القليل من الناس من يتحلى بثقافة الحوار الفعّال وهي التي يلخصها قول عن أحد العلماء " رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غير خطأ يحتمل الصواب، وكل ذلك فيما لا إجماع عليه من المبادئ والقيم والأفكار، أما المجمع عليها من العقائد والمبادئ فهذه لا حوار فيها".
كما أن التمثل بهذه القاعدة الذهبية "الصواب يحتمل الخطأ، والخطأ يحتمل الصواب" يتطلب التحلي بالتواضع واحترام الآخر وعدم التسرع في الحكم، ووضوح موضوع الحوار، وفوق ذلك وجود قواعد مشتركة متفق عليها مسبقًا، لأن الحوار يحتاج إلى قاعدة ينبني عليها وهي "المشترك" ويكون هو فيما اختلف في صوابه "المختلف فيه"، ومن دون وجود المشترك أصلاً، سيكون الحوار عبثًا وضياعًا ولا يصل بنا إلى حق.
تلك إثارات حول ثقافة الحوار، والله ولي التوفيق.

الأكثر قراءة