هجمات مومباي .. هل استفادت إسرائيل؟
يتفق معظم دارسي العلاقات الدولية على عدد من الأدوات الفاعلة والمؤثرة في صنع السياسة الخارجية، التي يأتي من ضمنها: وسائل الإعلام، والرأي العام. فكمصدر أساسي للمعلومات فإن وسائل الإعلام تلعب دوراً فعالا للتأثير في صانع القرار من ناحية وعلى توجيه الرأي العام من ناحية أخرى. من جانبه يلعب الرأي العام دوراً فاعلاً ومؤثراً - من خلال التأثير العكسي- في صانع القرار.
تجيد إسرائيل وأنصارها من استغلال هاتين الأداتين المهمتين. بحيث يتم توظيف وسائل الإعلام - ليس في داخل إسرائيل فحسب ولكن- عبر أوروبا وفي عمق الولايات المتحدة؛ وذلك للتأثير في الرأي العام وفي صانع القرار على حد سواء. وعادة ما يتم ذلك التوظيف من خلال الظروف المناسبة لإنجاح تلك الاستراتيجية، التي عادة ما تنشط بشكل واضح في حالات الأزمات والكوارث.
رغم وجود العديد من الأمثلة التي تدلل على صحة هذا الطرح إلا أن المساحة -هنا- لا تكفي إلا لذكر أهمها. فقد شكلت قضية المحرقة Holocaust الانطلاقة الحقيقية لهذه الاستراتيجية. وربما أن نجاح تأثير دعاية المحرقة في الرأي العام الغربي هو الذي دفع بتوظيف المزيد في نفس الاتجاه.
بهذا فقد استغلت ووظفت أحداث 11 سبتمبر لكي تصب في مصلحة إسرائيل. فجميعنا يذكر الخطاب الذي ألقاه شارون في ليلة الأحداث – الدامية - والذي أراد منه أن يؤثر في الرأي العام الأمريكي. وهو نفس الخطاب الذي ربط فيه (شارون) بين ما حل بالولايات المتحدة وبين العمليات -الفدائية- الفلسطينية. وهذا ما دفع بالزعيم الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات" في أن يتبرع بدمه على مشهد من عدسات الإعلام الغربي. صحيح أنه كان هناك بعد إنساني وخيري لتصرف الزعيم الفلسطيني، ولكن المراقب كان يدرك هول الكارثة التي أوجدتها الحملة الإعلامية الصهيونية.
لم تدخر الاستراتيجية الصهيونية عن توظيف أية شاردة وواردة إلا ووظفتها لمصلحتها في تلك الأيام. فمن خطاب شارون الشهير إلى زيارته لمكان الحدث Ground Zero كانت نوعية التغطية الإعلامية لكل التفاصيل تدلل على أن هناك قوى فاعلة تقف خلف إنجاح تلك الحملة. فبعكس تغطيتها للزيارات التي قام بها قياديون عرب لموقع الأحداث، فلقد غطيت زيارة شارون بشكل مكثف، ولافت للنظر.
ما أقرب اليوم بالأمس؛ فهاهي نفس الاستراتيجية توظف هذه الأيام في أحداث هجمات مومباي، ولكن بنكهة وطريقة مطورة. فقد أدت دموية الأحداث الأخيرة، وإمكانية تورط عناصر إسلامية (باكستانية)، جنباً إلى جنب الهجوم الذي حصل على المركز اليهودي الديني؛ إلى إيجاد ارض خصبة لتفعيل نفس النهج.
فلا يخفى -اليوم- على المتتبع للإعلام الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً، تلك البصمة الواضحة لهذه الاستراتيجية. بل إن التركيز الإعلامي على ضحايا المركز اليهودي، ولاسيما البعد الإنساني لقصصهم؛ يوحي بتوظيف نفس التكتيك المراد منه التأثير المباشر في الرأي العام الغربي، وبالتالي المساهمة المباشرة في استفادة إسرائيل من تلك الأحداث.