نهاية مجموعة السبع زائد واحد؟!
بعد أشهر من تبادل الاتهامات حول أسباب الأزمة المالية العالمية، فقد التأم شمل قمة العشرين، التي اتفقت على أن السبب الرئيس في تفجر الأزمة المالية العالمية هو رفع القيود المالية في بعض الدول الصناعية التي أخفقت في تقدير ومعالجة الأخطار المترتبة على الأزمة المالية. من هنا، لا يمكن النظر إلى الأزمة المالية العالمية وتدافع الدول لإيجاد الحلول المناسبة لاقتصاد عالمي معولم ومتشابك كمجرد حدث عادي. وإنما يرافق ذلك التحرك الدولي، وبخاصة قمة العشرين التي عقدت في واشنطن في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر)، تحولات كبيرة في موازين القوى الاقتصادية على مستوى العالم الأمر الذي يطرح فلسفة بريتون وودز، وهي صيغة ترتيب الاقتصاد العالمي لما بعد الحرب العالمية الثانية، إلى مزيد من الأسئلة التي تبقى برسم الإجابة إلى حين. هل مثلا ستنجح صيغة أو لنقل وصفة بريتون وودز، وما انبثق عنها من مؤسسات، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في البقاء كما هي أم أن هناك تحولات عالمية لا بد من أخذها بعين الاعتبار؟ الأمر الآخر الذي لا بد من ملاحظته هو أنه للمرة الأولى يظهر للجميع عجز مجموعة السبع للدول الصناعية الكبرى في معالجة أمر الأزمة المالية!
هناك اعتقاد أن النظام المالي الدولي قد طرأ عليه تغير كبير في العقود الماضية وأن المؤسسات الحالية لم تعد تعكس حقيقة هذه التحولات. وهنا لا بد من الإشارة إلى الرئيس الفرنسي ساركوزي، وهو الذي أقنع الرئيس جورج بوش بالدعوة إلى واستضافة قمة العشرين، ورأيه أن هناك حاجة إلى رؤية جديدة تناسب وتعكس التغيرات التي طرأت على موازين القوى الاقتصادية العالمية. ويشاركه في هذا الرأي كثير من الدول الأوروبية والآسيوية. وهذه النظرة الجديدة لم تعد ترى في مؤسسات بريتون وودز الإجابة الشافية للأزمة المالية وبالتالي يمكن التفكير أن هناك من يريد أن يغير هذه المؤسسات أو لنقل استبدالها بمؤسسات أخرى مثل السلطة النقدية العالمية وهي بمثابة بنك مركزي للعالم أجمع.
فلم يعد البنك الدولي ووصفاته على سبيل المثال مقنعة لكثيرين، وبخاصة دول العالم الثالث التي أجبرها صندوق النقد الدولي على عمل كثير من التعديلات البنيوية في الاقتصاد وهي وصفات كانت مكلفة سياسيا وتركت أثرا كبيرا في المستوى الاجتماعي وما نتج عن ذلك من اختلالات يمكن ملاحظتها في أي دولة من دول العالم النامي طبقت وصفات البنك الدولي. بمعنى آخر لم يعد ما يسمى إجماع واشنطن مقنعا للتعامل مع اقتصادات العالم المختلفة.
الأمر الآخر الذي يتطلب نظرة مختلفة هو ما يمكن أن يسمى بداية نهاية مجموعة السبع زائد واحد. لم يعد الأمر مقنعا لا سيما أن التغير في موازين القوى العالمية هو واضح تماما، إذ لا يمكن الاستمرار في تجاهل اقتصادات بعض الدول مثل البرازيل والهند والصين. فلم يعد بالإمكان الاكتفاء بالاجتماع الدوري لمجموعة السبع، إذ إن هناك حاجة ماسة لتوسيع النادي ليضم عددا من القادمين الجدد مثل الصين والهند والبرازيل والسعودية، إضافة إلى دول أخرى. وهذا الأمر يتطلب مؤسسة التغير في موازين القوى ونقله إما للمؤسسات القائمة وإما استبدالها بمؤسسات جديدة.
وبالتالي جاء الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس جورج بوش فيما يسمى قمة العشرين للتباحث ليس فقط بشأن الاقتصاديات الوطنية وإنما في إعادة صياغة أو إعادة تشكيل النظام المالي العالمي. وبالفعل توصل قادة هذه الدول إلى بيان من 11 صفحة مركزا على المبادئ العريضة وتاركا التفاصيل للقمة القادمة التي ستعقد في نيسان (أبريل) عندما يكون أوباما رئيسا للولايات المتحدة. وهو اجتماع ربما يكون ما وصفه رئيس الحكومة البريطاني، غوردن براون، "إرهاصات ولادة نظام عالمي جديد". وبالتالي في الخطة التي وضعها القادة، فإن دول مثل الهند والصين والبرازيل سوف تحصل على أدوار كبيرة وستتحمل مسئوليات كبيرة كجزء أساسي من متطلبات إعادة تشكيل النظام المالي الدولي الجديد. وقد تبيّن أن هناك نوعا من إلقاء اللوم على بعض الدول الصناعية الكبيرة دون الإشارة إليها بالاسم وتحميلها جزءا من مسؤولية الأزمة المالية. فالإخفاق في المراقبة والتنظيم للسوق في بعض الدول الصناعية هي أحد أهم الأسباب الرئيسية للأزمة المالية.
كما اتفقت الدول على إقامة جهة منظِّمة لفحص دفاتر المؤسسات المالية الرئيسية، التي تعمل على مستوى العالم حتى يتمكن المراقبون من تكوين صورة كاملة على عمليات البنوك. كما وافقت الدول على أن تُخضع أنظمتها المالية إلى مراجعات صارمة من قبل صندوق النقد الدولي. وهذا أمر جديد لأن مثل هذا الإجراء كانت ترفضه دول مثل الولايات المتحدة.
لم يكن الاجتماع سهلا لأن الدول الكبيرة اقتصاديا والجديدة طالبت بمراجعات شاملة للمؤسسات المالية. وبطبيعة الحال لم يكف ما جاء في البيان الختامي، الذي نص على موافقة طلب الدول الجديدة بخصوص توسيع منبر الاستقرار المالي ليشمل الدول الصاعدة اقتصاديا. وكتنازل لهذه الدول نص البيان الختامي على أنه مع مرور الوقت سوف يتم إجراء إصلاحات شاملة للمؤسسات المالية الدولية بشكل يضمن انعكاس الوزن الاقتصادي للدول الصاعدة.
ما حدث إذن في غاية الأهمية فتاريخيا كانت مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى تعالج الصدمات المالية الدولية دون مجرد استشارة هذه الدول الآسيوية أو الأمريكية اللاتينية. أما الآن فيبدو أن مجموعة السبع فقدت مبرر وجودها كما كان في السابق. فدعوة هذه المجموعة لدول مثل الصين لضخ الأموال من احتياطيها في المؤسسات الدولية يعني أن هناك فرصة لهذه الدول لتغيير طريقة التصويت في صندوق النقد الدولي. وهذا ما دعا له رئيس الصين عندما طالب بإقامة نظام مالي عالمي جديد عادل ومنصف ولا يستثني أحدا.
باختصار شديد، وجهت قمة العشرين ضربة واضحة للفلسفة المالية التي نتجت عن تعليمات إجماع واشنطن. فأصبح هناك قبول لفكرة الإشراف المالي على الأسواق المالية كما لاقت فكرة إصلاح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قبولا حتى من قبل الولايات المتحدة. بمعنى أن مؤسسات بريتون وودز، التي تعبر عن هيمنة أمريكية أو غربية، تأتي إلى نهايتها كما هو الحال مع مجموعة الدول السبع زائد واحد. ويمكن القول إن مجموعة العشرين واجتماعها بمثابة بريتون وودز الثانية التي ستؤسس لإزالة بريتون وودز الأولى بعد أن أصبح النظام المالي العالمي بحاجة إلى إصلاح شامل. لكن هل تعني مثل هذه الترتيبات المالية بداية نهاية الرأسمالية كنظام عالمي؟ بطبيعة الحال لا يمكن أن توافق الدول الكبرى على شطب الرأسمالية بقرار لأن القضية بنيوية وقد حذر الرئيس بوش من مغبة التفكير في ذلك. وقد امتدحت إدارة بوش البيان الختامي لأنه لم يأت كصفعة للرأسمالية. لكن لا يمكن التأكد من بعض التوجهات التي قبلت بها إدارة بوش لأن لباراك أوباما ربما رأيا مختلفا فهو يرى أن فكرة فرض قيود مالية على الجهاز المالي أمر مفيد لكن فتح المجال لجهة رقابة دولية على أكبر اقتصاد في العالم ربما يكون أمرا من المستبعد أن توافق عليه إدارة أوباما. من هنا علينا الانتظار للقمة القادمة التي ستعقد، في أغلب الأحوال، في لندن لنرى فيما إذا كان باراك أوباما مستعد للمضي في خطوة تخضع نظام أمريكا المالي للرقابة الدولية أم لا.