طريقة باراك أوباما .. والسياسة الخارجية
على الرغم من أن باراك أوباما قد اخترق الصفوف الأمامية بجدارة وفاز بأعلى منصب في الولايات المتحدة، إلا أن بعض المراقبين لا يزالون يرددون بعض الأسئلة حول الاستراتيجية التي أدت إلى نجاحاته المتكررة؛ بل إن هناك تساؤلات عديدة حول سر ذلك النجاح وحول إمكانية استمراره في المستقبل المنظور.
قد تكشف لنا الأشهر المقبلة العديد من الإجابات الواضحة حول تلك التساؤلات (خصوصا عندما تتجلى فلسفة أوباما عند التطبيق العملي)، ولكن بالإمكان إدراك طبيعة التكتيك (tactic) الذي اتبعة الرئيس المنتخب. حيث يتجلى جوهر تكتيكه حول اختياره الإجراء الأصعب في المعادلة لإيجاد مخرج ناجح. ما أردت قوله هنا؛ هو أن أوباما لم يكن –دائماً- يختار الطريق الأسهل للوصول للنجاح، بل لقد كان -في الغالب- يختار الطريق الأصعب. وبإمكان المتتبع أن يجد العديد من الشواهد والأدلة حول ذلك، إلا أن أوضح الأمثلة -هنا- متعلق بتعييناته للمناصب البارزة في إدارته المقبلة.
فقبل أن يسمي جو بايدن كنائب للرئيس كان العديد من المراقبين يعتقدون أن أوباما سيسمي هلاري كلينتون كنائب له. حيث كانت الأخيرة تتمتع بشعبية كبيرة في داخل الولايات المتحدة، وكانت كل المعطيات في ذلك الوقت تشير إلى أن فرصة أوباما في الفوز ستكون أقوى فيما لو تم اختيار كلينتون لذلك المنصب، إلا أنه قد اختار الطريق الأصعب وسمى جو بايدن.
نفس الكلام ينطبق على عملية تشكيل فريق الإدارة الجديدة، خصوصا ما تم في يوم الإثنين الماضي عندما سمى أوباما فريقه للأمن القومي، وهو الفريق الذي احتوى على تعيين هيلاري كلينتون على منصب وزير الخارجية، وذلك في وقت لم يعد تعيينها يعتبر بمثابة مكسب انتخابي. فكان بإمكان أوباما أن يختار فريق عمل منسجم مع سياسته وتوجهه، ولا يشكل له أية متاعب عند عملية اتخاذ القرار؛ لكنه جنح لاختيار الفريق الأصعب. ولقد قالها بصراحة في خطابه عندما أعلن عن الفريق، حيث قال:"لقد شكلت هذا الفريق لأنني مؤمن بأهمية الشخصيات القوية والآراء القوية؛ وهذا لاعتقادي بأنها ستؤدي إلى الطريق الأفضل لصنع القرار الصحيح. لقد لاحظت من خلال قراءتي التاريخية للبيت الأبيض بخطورة وجود فريق متفق، بحيث لا يكون هناك نقاش ولا آراء مختلفة. بهذا فإنني أرحب بمناظرات وآراء مختلفة: ولكن يجب أن يفهم بأن وضع السياسة سيكون بيدي كرئيس".
بهذا فإنه من المنتظر أن تتم بلورة السياسة الخارجية الأمريكية عن طريق جلسات عصف ذهني يفترض منها - حسب وجهة نظر أوباما - أن تؤدي إلى اتخاذ القرار الصحيح. لكن على الرغم من ذلك، فإن مسار تلك السياسة لن يكون مفروشاً بالورود. بل إن إرث المأزق الذي سترثه الإدارة الجديدة من إدارة بوش، ولا سيما ذلك المتعلق بالسياسة الخارجية في الشرق الأوسط (العراق- أفغانستان – إيران - عملية السلام -إلخ) سيحتاج إلى المزيد من البلورة والتعديل (change)؛ وإلا فإنه ستطول رؤية نور نهاية ذلك النفق المظلم.