طريق الحجاز.. شريان الثمانينيات من الرياض إلى مكة
تغيرت تلك الملامح التي رسمتها الأيام على جوانبه وجعلته مميزا عن بقية شوارع مدينة الرياض، وأصبحت جزءا من الماضي الجميل الذي سيبقى في ذاكرة جيل الثمانينيات الهجرية ولن تمحوها السنون. طريق الحجاز القديم والعلامات البارزة في تلك الفترة و الشريان الرئيس للعاصمة الرياض الطريق الذي اختصر الزمن، وقرب المسافات، طريق الحجاز الذي يحمل حاليا اسم الأمير عبد الله بن عبد الرحمن الفيصل. يبدأ من"دويرا سلام" ذلك المكان الأشهر في يوم ما في تاريخ الرياض، إلى أن يصل إلى منطقة الحجاز غرب المملكة مارا بالعديد من القرى التي تحولت إلى مدن متكاملة، انتعشت فيها الحركة التجارية. شهدت تلك المسافة التي تقع حاليا خلف سوق عتيقة للخضار وحتى تصل إلى مجمع كباري الشفاء نشاطا تجاريا تزامن مع افتتاح الطريق الأسفلتي الذي ساعد المسافرين الراغبين في التوجه إلى مكة وجدة وبقية مدن الحجاز.
#2#
"دويرا سلام"
هذا هو الاسم الدارج والعامي للدوار الذي يقع تحت الكوبري الذي يربط شارع سلام والأعشى وطريق الحجاز ليكون حلقة وصل بينها، وجاء الاسم من المكان الذي يقع فيه حيث يربط شارع سلام بالشوارع الأخرى. كان تلك الدوار أشهر من أن يوصف. ومع منظومة التطوير التي صاحبت إنشاء طريق الملك فهد أزيل الكوبري وأصبح من الذكريات العالقة في أذهان القريبين منه والمترددين عليه. وتحول ذلك الدوار إلى نقطة تقاطع طريق الأمير عبد الله بن عبد الرحمن الفيصل مع شارع الأعشى للمتجه شرقا وشارع عسير للمتجه غربا.
#3#
البداية بـ 35 ريالا
يصف الخياط محمد شريف الذي قدم للمملكة قبل أكثر من 45 عاما, حال الشارع عندما كان طريقا ترابيا يكسوه الظلام مع غياب الشمس، وتغيب عنه المحال التجارية والمباني السكنية، يتذكر شريف البدايات التي شهدها هذا الطريق مع انطلاقة السفلتة التي حولته إلى منطقة تختلط فيها الأقدام وتتجاور فيها المناكب. في ذلك الوقت وقبل أكثر من 40 عاما اتخذت مواقف سيارات الأجرة "التاكسي" التي تنقل الركاب من الرياض وما جاورها إلى الحجاز, هذا المكان مقرا لها ليكون مكانا للوداع والاستقبال، ومعها يتدافع المسافرون نحو المحال التي ازدهرت مع تزايد أعدادهم ما بين مقبل على وجه السفر يتزود بحاجاته التي تعينه على طول الطريق وامتداده وندرة الأماكن التي توفر له ما يحتاج إليه في ذلك الزمن، وبين مسافر وطأت أقدامه أرض الرياض يبحث عن زاد له. لم تجد الفوضى مكانا بين المسافرين كما يروي ذلك شريف, فكل سيارة لها عدد محدد من الركاب لا يتجاوز الخمسة، وبأسعار محددة كانت في البداية في حدود 35 ريالا للمشوار من الرياض إلى الحجاز، ومع مرور الزمن زادت أجور النقل حتى وصلت إلى 120 ريالا قبل قرابة 20 عاما, وهي الفترة التي سبقت توقف الحركة فيه بسبب عوامل كثيرة, منها: الازدهار الاقتصادي وتوفر الوسائل البديلة. ويواصل شريف حديثه عن أبرز ما في الشارع في ذلك الوقت, حيث كانت هناك إحدى المباني المخصصة لسكن طلاب جامعة الملك سعود.
#4#
تخصص للمزارعين
يعرف المزارعون والمشتغلون في المجال الزراعي طريق الحجاز معرفة تامة, حيث تقع في نهايته من جهة الشمال المحال المتخصصة في المجال الزراعي وهم زبائنها منذ عشرات السنين. يقف محمود الصياد على الحركة التي عاصرها في شارع سلام والممتدة لأكثر من 20 عاما حينما كانت المحال تتوزع على مناطق متفرقة من الشارع بخلاف ما هي عليه الآن، ولم تغب عن ذاكرة محمود الصياد تلك الحشود من السيارات والازدحام الذي يأتي مع كل صباح وتعود السيارات مرة أخرى لتنقل الطالبات اللاتي يدرسن في كليات البنات قبل أن تتحول إلى منتزه يقبل عليه مختلف الجنسيات ساهم ذلك في تغيير نوعية رواد الشارع، يؤكد الصياد أن المنتزه ساعد على التعريف بالشارع وأصبح أكثر شهرة من ذي قبل. يرصد الصياد المشهد الذي عاشه في هذا الشارع وأبرز التغيرات التي جاءت خلال السنوات العشر, الماضية حيث برزت محال متخصصة في تربية النحل وأخرى في تربية الدواجن, وثالثة في المجال البيطري ورابعة في وسائل الري.
#5#
برنامج الأطفال
يخرج محمد شريف على دراجته الهوائية التي احتاج إلى قرابة العام ليتقن قيادتها، ويتمكن من استخدامها في تنقلاته وتعينه على الوصول إلى أماكن التسلية وخاصة يوم الخميس ليلة الجمعة, حيث تقوده رغبته إلى القهوة ذات الشهرة الواسعة والمكانة الكبيرة بين أهالي المنطقة في ذلك الوقت. يصل إليها عندما تغيب الشمس ويتحول المكان إلى ظلام سوى بعض الأماكن التي وصلتها الكهرباء. يدخل القهوة ليجتمع مع بقية رفاقه منتظرين برنامجهم التلفزيوني المفضل"برنامج الأطفال"، ذلك البرنامج الذي يثير فيهم الرغبة في معرفة كيف يتكلم هؤلاء الأطفال.
#6#
طريق الحجاز.. الآن
تركه المسافرون، وهجره أصحابه منذ زمن بعيد، وانتقل طلاب جامعة الملك سعود الذين يتخذون من أحد المباني سكنا لهم في وقت مضى، فلم يعد يحمل تلك الملامح، وأصبح كبقية شوارع الرياض تصطف المحال التجارية على جانبيه تتنوع بضائعها، ويطل مع جهته الغربية على مجموعة كباري الشفاء ذات العمر الزمني الذي يتجاوز 25 عاما التي قطعت جزءا من ماضيه، حولت جزءا من ذلك الامتداد والطريق الرئيسي إلى مجرد طريق داخل الحي لا يحمل معه سوى الماضي المحفوظ في الذاكرة، وما زالت المحال الزراعية تزاول أعمالها، ويقصدها زبائنها من أنحاء الرياض وغيره، وقبالة تلك المحال تجتمع العائلات بحثا عن الترفيه والاستمتاع بالمسطحات الخضراء التي تغطي مساحات كبيرة من المنتزه الذي حمل اسم المكان المقام فيه "منتزه سلام".