جائزة "بيركلي" للأستاذ المتميز
تحدثنا في موضوع سابق حول "جائزة التفاحة الذهبية" التي يمنحها طلبة جامعة كاليفورنيا في "بيركلي"، وهي إحدى أهم جامعات العالم، للأستاذ المتميز. وسوف نتحدث هُنا عن جائزة أخرى تمنحها إدارة الجامعة ذاتها باسم الجامعة، وليس فقط باسم الطلبة، للأستاذ المُتميز، وهي "جائزة التميز في التدريس Distinguished Teaching Award". وتُمنح الجائزة لحوالي "أربعة" من أعضاء هيئة التدريس سنوياً يجري اختيارهم من بين قائمة طويلة من المرشحين. وقد بلغ عدد الحاصلين على هذه الجائزة على مدى ستين سنة وحتى الآن حوالي "5 في المائة" من مجموع أساتذة الجامعة.
ويُلاحظ أن جامعة كاليفورنيا في "بيركلي" على الرغم من شهرتها في التميز البحثي، إلا أن فلسفتها العامة هي التركيز على "تأهيل الطالب"، ليس فقط بالمعارف الأساسية والمُتقدمة، بل بمنهجية التفكير والحوار الذكي وتنمية القدرة على الإبداع والابتكار. وجائزة التميز في التدريس هي وسيلة من وسائل الجامعة في ترسيخ مسألة التركيز على تأهيل الطالب وتشجيع الأساتذة على التميز في ذلك. ولدى الجامعة لجنة دائمة خاصة للتقييم وتحديد الفائزين بالجائزة كُل عام، ولهذه اللجنة إجراءات دقيقة في أداء عملها للخروج بنتائج موثقة وسليمة. وسوف نُلقي الضوء فيما يلي على بعض عوامل وإجراءات التقييم المهمة التي تتبعها اللجنة المُختصة.
تتمحور عوامل وإجراءات التقييم التي تتبعها اللجنة حول مدى نجاح الأستاذ في تأهيل الطالب. وعلى هذا الأساس ترتبط هذه العوامل والإجراءات بأربعة أبعاد رئيسة: بُعد يرتبط بتوجهات الأستاذ أو فلسفته الشخصية في تأهيل الطالب؛ وبُعد يتعلق بأداء الأستاذ في الفصل؛ وبُعد ثالث يختص بتقييم الأستاذ لطلبته؛ ثُم بُعد رابع يتعلق بآراء الطلبة، ليس فقط الموجودين حالياً كطلبة، بل وحتى الذين تخرجوا وعرفوا مزايا ما حصلوا عليه من أساتذتهم في سوق العمل. ولاشك أن هذه الأبعاد تُظهر أن من يُمكن أن يحصل على جائزة التميز، لا بُد أن يكون من الأساتذة الذين أمضوا سنوات في العمل، ربما لا تقل عن خمس.
في البُعد الخاص بتوجهات الأستاذ الشخصية في تأهيل الطالب، تُؤخذ هذه التوجهات من الأستاذ شخصياً. ولكن لا يُعتمد عليها مُباشرة، بل يجري اختبارها من خلال الأبعاد الأخرى: أداء الأستاذ في الفصل، وأسلوب تقييمه للطلبة، إضافة إلى آراء الطلبة الحاليين والسابقين.
وفي بُعد أداء الأستاذ في الفصل، تحضر اللجنة مُحاضرات عدة للأستاذ لترى ما يجري داخل فصوله، ومدى نجاحه في نقل المعرفة، وفي إثارة اهتمام الطلبة وتفاعلهم مع المقررات التي يُدرسها، والموضوعات التي يطرحها، إضافة إلى طريقته في حثهم على التفكير فيها وإدراك فوائدها.
ونأتي إلى تقييم الأستاذ لطلبته، ففي هذا البُعد يجري الاطلاع على الدرجات التي يمنحها الأستاذ لطلبته، والأسس التي يستخدمها في ذلك. وتحرص اللجنة المُختصة في هذا المجال على معرفة توزع الدرجات ومدى بيانها للطلبة أصحاب المستوى المتميز، وأولئك أصحاب المستوى المتوسط، إضافة إلى الطلبة الذين يُعانون من ضعف في الدرجات. وتهتم اللجنة بمعرفة كيفية تعامل الأستاذ مع هؤلاء وسعيه إلى توجيههم نحو تطوير أنفسهم، ومدى نجاحه في ذلك.
وفي البُعد الرابع بُعد آراء الطلبة، تُقابل اللجنة عددا من الطلبة الحاليين وأولئك الذين تخرجوا وانتقلوا إلى سوق العمل. كما تطلب إليهم كتابة آرائهم بشأن مدى تأثرهم بأساتذتهم، ومدى استفادتهم منهم. ولا يقتصر الأمر في هذا المجال على الطلبة الذين أنهوا الدرجة الجامعية الأولى، بل وعلى طلبة الدراسات العليا بمرحلتيها الماجستير والدكتوراه. يقول أحد أعضاء لجنة التقييم إن للأستاذ المتميز دائماً أثراً إيجابياً في الحياة المهنية لكثير من طلبته.
إن تجربة جامعة كاليفورنيا في "بيركلي" تجربة رائدة في حث الأساتذة وتشجيعهم على التميز في تأهيل الطلبة، سواء من خلال "جائزة التميز في التدريس" أو "جائزة التفاحة الذهبية". وعسى أن تستفيد جامعاتنا من هذه التجربة في تطوير العملية التعليمية وتأهيل الطالب الذي يُمثل لبنة تُسهم في بناء المُستقبل الأفضل الذي نتطلع إليه.