تعرجات الخطوط وأهداف الكتابة
لم تعد هواية الكتابة كما كانت سابقا في صحف الحائط المدرسية إرضاء للهواية ورغبة في الظهور والحصول على درجات النشاط المدرسي، ولم تعد الخطوط هي تلك التعرجات في الأحرف التي يمارسها البعض على اللوحات الفنية والجدران في محاولة لاستعراض القدرات الكامنة وشد الانتباه للبوح بما هو خفي رمزيا، ولم تعد الكتابة للظهور في صفحات الجرائد والمجلات والاستعراض بشكل ونوعية الصورة و"الكشخة".
لم تعد الكتابة بالنسبة لي لا هذا ولا ذاك، بل إنها رسالة وأمانة. إضافة إلى كونها فرصة أتيحت لمناقشة الشأن العام ونقده، أملاً في التحديث والتطوير لمواكبة الأمم المتقدمة.
إنني مؤمن أن الله سيحاسبنا عن كل كلمة كتبناها وكل جملة صغناها وعن هدفنا منها، وأحمد الله أن الكتابة لم تعد مصدر رزق للكاتب، بل على العكس من ذلك تماماً.
الكتابة أنواع، فمنها الكتابة بالنار، والكتابة على الماء كما يشبهها سليمان المانع، والكتابات الأخرى، وأصعب أنواع الكتابة من وجهة نظري هي تلك الخطوط التي لم تحتضن حبرها وتتشربه الأوراق.
وأكثر أنواع الكتابة إيلاما هو ما يذهب إلى سلة المهملات نتيجة لمقص الرقيب الذي يحاول أن يكون لطيفا في التعامل مع بعض المسؤولين خشية غضبهم و"عتبهم" نتيجة كشف بعض المستور والجهر بجزء مما يخالج الصدر ويتردد في أذهان كثيرين وعلمهم.
لقد تعلمت ألا أتعرج في خطوطي، حتى لو فقدت تلك الأحرف جمالها نتيجة لجلافتها وقسوتها، كما أن الصدق والابتعاد عن الأهواء الشخصية هو الأساس في الكتابة.
لكنني تعلمت أيضا، أنه لا مانع من وجود بعض العواطف الشخصية، عند تبني بعض القضايا التي تمس العامة، إذا لم يتجاوز الغرض موضوعيته وخدمة المصلحة العامة، وألا يكون الهدف والغرض شخصيا بحتا.
لست مشاكسا، كما يحاول البعض إلصاق هذه التهمة بي، ولا ساخطا على وضعنا الراهن، ولا مكتئبا من حالنا، ولا متصيدا للأخطاء والهفوات، لكنني مقتنع أننا نملك من الإمكانيات والقدرات ما يمكن أن نكون به أفضل مما نحن به الآن بآلاف المرات ومضاعفاتها، فلماذا نبقي هذه الطاقات حبيسة؟
إنني أحاول التركيز على الجوانب السلبية لقناعتي أننا نمتلك الحلول ولدينا القدرة لإضافة خط واحد كي تصبح الإشارة السالبة موجبة، أما الجوانب الإيجابية فليست في حاجة لي ولا لغيري للتحدث عنها وإبرازها، ولا يمنع بين الفينة والأخرى الإشادة بها.
الكتابة بالخطوط المستقيمة لها جوانب جميلة كثيرة ولها من الأهداف النبيلة أكثر وإن كانت في كثير من الأحيان تصدم أنف البعض وتزكمه رغم روائح البخور السطحية.
الكتابة ألم ومعاناة في حد ذاتها، فكيف إذا كانت رسالة تجاه المجتمع وتُلزم من اكتسب الكثير من خيرات المجتمع أن يرد بعض الجميل والواجب ويحاول تزيين حديقة وطنه ببعض الخطوط المستقيمة؟
لا يحفل الكاتب كثيرا برضاء البعض وثنائهم طالما أنه مقتنع ويعرف جيدا نوعية كتاباته ومستويات خطوطه، بل إنه يهتم أكثر بسبل الوصول إلى الأهداف التي رسمها لخدمة مجتمعه بأي شكل وثمن.
لا أظن أن الكاتب الذي يحترم نفسه سيهتم كثيرا بخلفية صورته ونوعية حروفه وخطوطه طالما أن مسارها صحيح وهدفها نبيل، ولم يعد، ذلك الكاتب، ممن يفرح برؤية صورته وكتاباته تنشر هنا وهناك.
كما أن الكم الهائل والسيول الجارفة من المعلومات التي تصل إلى القارئ والمطلع جعلته أكثر وعيا وإدراكا من الكاتب ذاته في كثير من المواضيع والحالات، ولم تعد المطبوعة الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية، هي المصادر الوحيدة للمعلومات.
ولا أظن أن الكاتب الذي اختط مسارا معينا في الكتابة، يسهل عليه بعد سنوات من رسم الخطوط والسير عليها أن يتراجع ويغير مساره، وإن فعل، فسينتحر قلمه قبل أن يفقد احترامه لنفسه. فهل تدرك القصد؟؟