"النهضة".. حديقة بلا أبواب ورئة عائلات الثقافات المختلفة

يعد طريق النهضة الواقع شرقي الرياض والذي يمتد لثلاثة كيلومترات، متنفسا رائعا لساكني العاصمة، فهذا الطريق الحيوي الذي تم افتتاحه منذ 15 عاما لا يزال مشرعا أبوابه لتمارس فئات المجتمع كافة (عائلات وعزاب) هواياتها المفضلة سواء سيرا على الأقدام أو على الدراجات الهوائية أو التزحلق على الأحذية المجهزة بعجلات (السكيتنغ). جولتنا لهذا الأسبوع ستكون على هذا الطريق الحيوي، الذي يعد أحد شرايين العاصمة المهمة، ومتنفسا كبيرا لعديد من العائلات في الرياض.
افتتح طريق النهضة قبل 15 عاما، وأوجد علاقة وطيدة بينه وبين ساكني الرياض، حيث إنه لم يعد ليكون طريقا بالمفهوم العام للطرق، وإنما يعد منتجا خدميا يحمل معه بعدا ثقافيا وإضافة جديدة للحياة الاجتماعية والعلاقات الأسرية، فقد كان عند افتتاحه الممشى الأول في مدينة الرياض، ومن أوائل ممرات المشاة في الشرق الأوسط، خاصة في المناطق الداخلية الصحراوية، ولم يكن هذا الطريق مجرد مسطحات خضراء وأشجار تداعب أغصانها نسمات الريح لتبعث نسيما عليلا خاصة عند اعتدال الجو.

#7#

حديقة بلا بوابات
طريق النهضة الذي يمتد لثلاثة كيلومترات يفتح ذراعيه مرحبا بالعزاب والعائلات على حد سواء، ويعد طريق النهضة امتدادا لمنظومة الخدمات التي توفر مناخا ملائما للعائلات والعزاب جنبا إلى جنب، وقدم أسلوبا جديدا ونمطا غير مألوف عند كثير من الناس، ما دفعهم للإقبال عليه، واتخاذه واحدا من أفضل الخيارات لديهم، فهو يفتح ذراعيه في كل وقت وبلا مبالغ مادية مقابل الاستفادة من الخدمات، ومن دون حواجز أو بوابات تقف كسد أمام الزوار، ملغيا مشاهد الطوابير التي تمتد في انتظار الدخول. ويقع طريق النهضة في شرقي الرياض، حيث يمتد من الجنوب إلى أن يلتقي مع طريق مكة شمالا وبشكل جزيرة وسطية يحتوي على طريق مخصص لرياضة المشي والجري، مغطى بمادة السيلارين، وأماكن مخصصة لرياضة الدراجات الهوائية، وأخرى للزلاجات، وألعاب للأطفال، إضافة إلى ملاعب للكرة الطائرة والسلة والتنس.

#2#

ثقافة المشي
أسهم طريق النهضة في خلق ثقافة جديدة على السواد الأعظم من الشعب السعودي، فرغم أن المشي عادة صحية ورياضة شعبية، إلا أن مشاغل الحياة التي تزدحم بها المدن الحديثة أسهم في تقليل عدد ممارسي هذه الهواية، فازدحام الشوارع، ضجيج السيارات، والتلوث، كلها أسباب يرى متعب الشمري في العقد الرابع من العمر الذي جاء يمارس هوايته في هذا المكان أنها تدفع بالإنسان للتوقف عن مزاولة رياضة المشي، ويضيف متعب بأنه يأتي إلى هنا بشكل شبه يومي، وذلك لقرب سكنه من الطريق وللراحة النفسية، فالكل يمارس نفس الهواية، فيما يؤكد فهد البشر من رواد الشارع أن وفرة المواقف، وعدم التقيد بمداخل محددة، أو وقت معين يدفع كثيرا من الشباب لممارسة الرياضة، وخاصة في الأماكن التي تكون بعيدة عن ازدحام السيارات.

#3#

الممارسات الفردية
أعطى تنوع زوار الشارع مساحة من تمازج الثقافات والتقارب بينها والاندماج في محيطها. تكتشف بعض عادات الشعوب وخاصة الآسيوية منها، وتستطيع أن ترصد جزءا من أساليب الحياة لديهم، وسلوكياتهم، هذا المزيج أوجد مناخا للتواصل وأزال الحواجز بين الأقسام فالمسميات ما زالت واقفة تشير إلى ذلك الخاص بالعزاب والآخر الخاص بالعائلات، إلا أن الواقع غير ذلك، ويؤكد محمود مرسي مصري الجنسية مبرمج كمبيوتر أنه يتردد إلى طريق النهضة من أمد بعيد ، مشيرا إلى أن تنوع رواد الشارع من عزاب وعائلات يعطي مؤشرا على ثقافة مكتسبة جديدة تكتسب مقوماتها من واقعها، وتفرض نفسها مع الزمن، ويشير مرسي إلى أن الممارسات الفردية يجب ألا تعمم على الجميع، وتتسبب في حرمان الآخرين من هذه المقومات الجمالية التي تسهم في الترفيه على الناس، ويضيف مرسي قائلا: تقبل العائلات على زيارة هذا المكان في نهاية الأسبوع ويصعب معها أن تجد مكانا خاليا، فهل من الصواب أن يعود رب الأسرة ومعه أبناؤه الذين ينتظرون هذه الساعة إلى منزلهم لأن قسم العائلات لا يوجد فيه مكان وهناك المساحات الشاسعة التي لم يقبل عليها الشباب، فالعائلة من الطبيعي أن تختار الجلوس في هذا المكان ولن تضع نفسها إلا في مكان تشعر فيه بالراحة والاطمئنان.

#4#

أكثر من تسلية
يقف رفيق جاد الرحمن باكستاني الجنسية أمام ابنته ذات الـ 12 ربيعا يدربها على اللعبة الباكستانية المشهورة "الهوكي"، يقول جاد الرحمن إنه يأتي إلى هذا المكان بشكل شبه منتظم خاصة في نهاية الأسبوع، وفي هذه الأوقات حيث يكون الجو معتدلا، يمارس اللعب مع عائلته من خلال المساحات الشاسعة التي تمنحهم الفرصة للتدريب والتسلية، وفي مكان آخر يستعرض أحد زوار الممشى بألعابه البهلوانية التي تتطلب جهدا عضليا وتركيزا ذهنيا، وحول ألعاب الأطفال يقف كثير من أولياء الأمور يراقبون أبناءهم ويشجعونهم، ويوضح مجدي الصوان (طبيب في أحد المراكز الطبية) الخاصة مدى أهمية هذه الألعاب عند الطفل، مؤكدا أن بعض الألعاب تحمل هدفا أبعد من مجرد التسلية، كونها تكسب الطفل توازنا بين حاجاته الجسمية والنفسية، وفي الوقت نفسه تفتح أمام الطفل مجالا للإبداع والخيال وتزيد من ثقته بنفسه.

#5#

بطولات كروية
يذكر جمعان عبد الله أن الجهة الشمالية القريبة من طريق مكة كانت منطقة ترابية يقيمون عليها مباريات في كرة القدم، حتى تحولت قبل مدة قصيرة لا تتجاوز العام إلى إحدى ساحات البلدية التي تنفذها الأمانة، وأصبحت الآن مقصد كثير من محبي هذا الرياضة، حيث تمكن جمعان وبمساعدة من زملائه سعد المطيري وفايز الشهري وفهد الرحيلي من إقامة بطولة في كرة القدم في رمضان الماضي، وشارك فيها ثمانية فرق وكانت بطولة ناجحة، ويؤكد يوسف الرشيدي أحد أعضاء المجموعة أن تمويل البطولة تم بجهود فردية وكان الهدف منها التسلية والمتعة، ومن جهته بين أحمد الشهري أن المجال مفتوح أمام الجميع من سعوديين وغير سعوديين لمزاولة اللعب حتى منتصف الليل، حيث تظل الإنارة حتى ساعات الصباح.

#6#

الكاميرا لم تعد شبحا!
في وقت مضى كانت الكاميرا تعد بالنسبة للكثيرين شبحا مخيفا يشيح الجميع عنها بوجوههم، فهي تثير الذعر في النفوس، وتسبب إحراجا لحاملها وكأنه يهدد خصوصية القريبين من العدسة، لكن التمازج الثقافي والاختلاط بالآخرين والتحدث إليهم أسهم بدور فاعل في التقليل من تلك الرهبة، بل وأزالها تماما عند بعضهم وتحولت من مرحلة عداء إلى ود وصداقة، وزال الحرج عن المصورين ، حيث أصبح بإمكان المصور أن يجلي ويبحث عن الزاوية المناسبة ويصوب عدسته نحو الموضوع دون أن يجد ممانعة أو تطارده نظرات الاستغراب والاستهجان، بل كانت الكاميرا مطلب الكثيرين، فهم يبحثون ويقفون أمام العدسة رغبة في التقاط صورة لهم لتكون ذكرى لقادم الأيام.