الحوار في جامعتي
مازلت أذكر في مرات كثيرة عندما كنت طالب لغة إنجليزية في جامعة الملك سعود، حينما يرسم لنا أحد أساتذتنا صورة زاهية لأهمية انتشار ثقافة الحوار، ويتحدث – مفصلا - بنرجسية مفرطة عن أهمية اتساع دائرة النقد، وأنه يرحب بالرأي والرأي الآخر، ولكن كل هذا يتلاشى حالما نمارس – كطلاب - هذا عمليا! وهنا المفارقة .
كثيرا ما تأتيني ردود فعل متشنجة من بعض أعضاء هيئة التدريس حيال ما أنشر في "رسالة الجامعة" من مقالات، هذه الردود التي تتسم بشيء من الإقصائية والتطرف – أحيانا- تدل بشكل واضح على أحد مكامن الخلل لدينا، ويتساءل الإنسان بشيء من الألم إذا لم تكن البيئة الأكاديمية مكانا خصبا لثقافة الحوار واحترام وجهات النظر فأين نجد هذا؟
في تقديري لسنا بحاجة إلى مزيد من التنظير بقدر ما نحن بحاجة إلى تحويل هذا من حبر على ورق إلى واقع ملموس في حياتنا، التحدي أن نحول تلك المعلومات الضخمة التي تختزنها عقولنا إلى مثال حي نراه في الجامعة والبيت والمسجد والعمل والصحيفة، وأن نعود ذواتنا على هذه الثقافة، ونربي أنفسنا أولا بثقافة تحترم من يجلس على الكرسي المجاور.
"ثقافة الحوار" تعني ما هو أعمق من مجرد استماع إلى وجهات النظر المتباينة والسماح بالتعبير، إنها تتطلب الاعتراف بحق الطرف الآخر في الرأي والتعبير والمشاركة.
ولكن لا سبيل لغرس هذه القناعة في مجتمع ما إلا بعد أن تتضافر جميع أطيافه المختلفة نحو تحقيق هذا الهدف و الغاية، لابد من تعاضد كافة المنظومات الفاعلة والمنتجة للثقافة العامة ، لأن هذا في نهاية المطاف يخلق بيئة صحية يستطيع "الحوار" أن يجد له فيها متنفسا!
أن نغير – كخطوة أخرى - تلك القناعات المترسخة التي تعتقد أن "ثقافة الحوار" مجرد كلام فارغ لملء المساحات الفارغة ، هذه العقليات التي تعد "الحوار" ترفا علميا ، ونقاشا نرجسيا لا تدرك الثمرة السحرية لهذا المفهوم الغائب .
لا يفوت أن نعلم أن الحوار يبدأ من المنزل قبل أي شيء آخر، حوار الأب مع زوجته، نقاش الوالد مع بناته ، السماح لولده المراهق بحق التعبير عن رأيه ولو كان مختلفا عن رأي والده، إن هذا بالإضافة لتعزيز ثقة الابن بنفسه يضفي جوا من الحب والوئام يغمر جنبات المنزل.
تغدو أمنية أن يدرك مجتمعنا أنه ليس أمامه خيار آخر ، وليست هذه القضية من نافلة القول، بل التفكير السليم والمنطقي يخبرنا أنه المرفأ الآمن والحل المنتظر لكثير من حالات "التشنج" التي نراها ، ففي الهواء الطلق تخبو كل الشعارات الكاذبة، وتتوارى كثير من المشكلات التي تعصف بنا صباح مساء، إنه الطريق الأوحد للوصول للمحجة البيضاء التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم.