الوفاة الدماغية و قرار التبرع بالأعضاء
يتساءل كثيرون عن ماهية التبرع بالأعضاء، الذي يكثر الحديث عنه في الأوساط الاجتماعية والطبية في السنوات الأخيرة، ونوعية الأعضاء التي يمكن التبرع بها، ومردود ذلك على المتبرع وأهله وذويه ومردوده أيضا على متلقي التبرع.
فمن المعلوم أن عملية زراعة الأعضاء البشرية لها تقنية حديثة قد تطورت في غضون السنوات الـ 50 الأخيرة، والتبرع بالأعضاء عمل إنساني عظيم، حيث ينقذ أرواح كثيرين ممن هم مهددون بالموت، وقد أجيز شرعا من هيئة كبار العلماء .
تعتمد الزراعة على استخدام أعضاء من أشخاص أحياء أو أموات أو من هم في حالة وفاة دماغية بعد موافقة أهاليهم، وهنا لا بد من شرح الفرق بين الغبيوبة والوفاة الدماغية.
الغيبوبة: هي إمكانية عودة المريض إلى الوعي مرة أخرى بعد الإصابة بالإغماء ولها مراحل ودرجات مختلفة.
الموت السريري (الوفاة الدماغية) هو تلف المراكز الحيوية في المخ التي يطلق عليـها أحـياناً (جذع المخ)، وهي مراكز التنفس والدورة الدموية، لكن المركز الخاص بالتنفس هو الأكثر أهمية في هذه الحالة.
وتعرف هذه المراكز بالمراكز الحيوية، حيث إن تلف هذه المراكز بشكل لا يقبل الرجوع، ويعد المريض متوفى في نظر العلم والشرع طالما أثبت موت هـذه المراكـز (أي جذع الدماغ) ويتم التحقق من موت جذع الدماغ بإجراء استقصاءات سريرية متكررة تجرى من قبل متخصصين في هذا المجال، حيث يجب أن يكون هؤلاء على درجة عالـية من الخبرة والدراية والدراسة العملية في هذا الصدد، ويجب أن يكونوا على الأقل استشاريين، وبعد التثبت السريري تجرى فحوص مؤكدة تشمل التصوير الشعاعي للدماغ باستخدام مواد نووية للتأكد من خلو الدماغ من الدم، إضافة إلى توقف النشاط الاستقلابي في المخ، الأمر الذي يدل على موت الدماغ. وقد تجرى فحوص أخرى كتخطيط الدماغ الكهربائي.
وللتحقق من موت مركز التنفس يجرى اختبار توقف التنفس الذي يثبت بشكل لا يقبل الشك تلف المركز التنفسي بشكل لا رجعة فيه.
بعد إجراء الفحوص السابقة يتم توقيع وثيقة الموت الدماغي من قبل الاستشاريين الآنف ذكرهم، وتختم الوثيقة من الهيئة الإدارية للمستشفى إيذانا ببدء إجراءات إيصال المعلومات إلى أسرة المريض وذويه.
ويتبين من كل ما ورد ذكره أن عملية التحقق تتم على مراحل متعددة للتأكد بشكل قاطع لا يقبل الجدل من موت الدماغ، وأن ما يراه ذوي المريض من حركات التنفس والقلب إنما تعود لأجهزة الإنعاش التي إذا ما أوقفت توقف القلب والتنفس في لحظات. وعندما يتفهم أهل المريض هذه المسائل تتبدد مخاوفهم .
وحري بكل من يعمل في الوسط الطبي أن يشارك في تبديد هذه الأوهام والخلط ما بين هذين المفهومين ونعني بذلك الموت الدماغي والغيبوبة.
حالما تتأكد الوفاة دماغياً بكل الفحوص والإجراءات التي سبق ذكرها وتناقش كل هذه المسائل مع ذوي المريض يأتي موضوع التبرع بالأعضاء.
وللوقت أهمية كبرى في هذه الجراحة، فمن الناحية المثالية يجب زراعة الرئة خلال ساعتين إلى أربع ساعات، والقلب خلال أربع ساعات، والكبد خلال 12 ساعة، والكلية خلال 24 ساعة. كما أن هناك معايير خاصة تتعلق بزراعة كل عضو ومدى توافقه مع المتبرع إليه.
تخيل أن المتوفى قد يسهم بفضل التبرع بأعضائه بشفاء وعلاج عدد من المرضى الذين يعانون في فراش المرض من أمراض عدة مقعدة.
وهناك تعاون بين الشؤون الصحية في الحرس الوطني والمركز السعودي لزراعة الأعضاء لمساعدة من هم بحاجة إلى الزراعة سواء داخل المملكة أو في دول الخليج، حيث يتم نقل الأعضاء من المتبرعين الأحياء أو الأموات منهم عن طريق طائرات الإخلاء الطبي المجهزة على مدار 24 ساعة.
إن المسارعة لفائدة الآخرين أمر عظيم، ولا سيما أن المريض الذي ابتلي بالوفاة الدماغية ميت سيوارى في الثرى وإبقاؤه على الأجهزة هو مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.
ولسوء الحظ فإن الانتظار الطويل لأخذ قرار مثل هذا قد يضعف من فرص قبول العضو المتبرع به في جسد المريض، ما قد يؤدي إلى رفض العضو المزروع.
لذلك فإن التفكير السديد والعمل والفهم بحقيقة الوفاة الدماغية، والأمل بفائدة الآخرين كلها أمور قد تسرع من تقبل زراعة الأعضاء في المرضى الآخرين.
نائب رئيس العناية المركزة
في مدينة الملك عبد العزيز الطبية في الحرس الوطني
رئيس لجنة التبرع بالأعضاء