جلطة المخ .. 3 ساعات حاسمة وكل دقيقة تأخير تدمر مليوني خلية عصبية
تعد السكتة الدماغية (جلطة المخ) من أكثر الأمراض شيوعا سواء في المملكة أو على مستوى العالم، فهي السبب الأول للإعاقة بين البالغين، بينما تأتي كأحد الأسباب الثلاثة الأولى الرئيسة للوفاة. كما تشكل عبئا على المريض وعائلته والمجتمع والقطاعات الصحية أيضا, ولها آثار سلبية أخرى غير الإعاقة كالآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
إن التعامل مع السكتة الدماغية سواء من الجانب الوقائي أو حتى العلاجي ليست مهمة طبيب المخ والأعصاب لوحده كما يعتقد بعضهم، بل هي مهمة الجميع بدءا بالمريض نفسه وعائلته والمجتمع ورجال الهلال الأحمر والإعلام والوسائل التثقيفية, وانتهاء بالقطاع الصحي والمستشفيات ووحدات وبرامج علاج السكتة الدماغية المتخصصة وبرامج التأهيل المتقدمة، لذلك يكمن نجاح التدخل الوقائي والعلاجي في تضافر كل الجهود بين كل هذه الجهات بصورة منسقة ومتناغمة. لقد أدركت الشؤون الصحية للحرس الوطني هذا التوجه العالمي، فقامت أخيرا بافتتاح برنامج الحرس الوطني لعلاج السكتة الدماغية, وهو برنامج شامل يهدف إلى العمل الجماعي المشترك لمحاربة هذا المرض, وقد حظي البرنامج برعاية مباشرة من الدكتور عبد الله الربيعة، الدكتور بندر القناوي، والدكتور سعدي طاهر.
يتكون البرنامج من عدة وحدات للتعامل مع الجوانب المختلفة لمرض السكتة الدماغية، فقد تم تكوين فريق طبي مؤهل "فريق علاج السكتة"، الذي يعمل على مدار الساعة لمباشرة حالات السكتة خلال دقائق من وصول المريض وعمل الفحوص اللازمة وإعطاء مذيبات الجلطة على وجه السرعة، كما تم افتتاح عيادة متخصصة للوقاية من أمراض السكتة, وبصدد فتح مزيد منها, وأيضاً هناك تنسيق مع مراكز الرعاية الصحية الأولية وإدارة خدمات التوعية لتفعيل برامج التثقيف.
البرنامج يحوي وحدتين وهما: وحدة علاج مرضى السكتة المنومين ووحدة العناية الفائقة, كما يعمل على الدراسة والبحث والاستفادة من تجارب الآخرين.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة، إلا أن النجاح يبقى مرهونا بمدى ثقافة المجتمع وإدراك الناس بعض الحقائق عن السكتة الدماغية وطرق الوقاية منها وعلاجها وهي:
أولا: إنه بالإمكان - بعد مشيئة الله - تفادي حدوثها, وذلك عن طريق الفحوص الدورية لارتفاع ضغط الدم وداء السكر وارتفاع الكولسترول والحرص على الممارسات الصحية السليمة كالمشي وتجنب السمنة والامتناع عن التدخين وعدم تعاطي المنشطات والحرص والانتظام على الأدوية حسب إرشادات الطبيب.
ثانيا: التعرف إلى أعراض السكتة الدماغية، وهي ظهور أعراض بصورة مفاجئة على المريض كالضعف المفاجئ في أحد الأطراف أو الوجه، اللعثمة في الكلام، فقدان التوازن أو الدوار، وفقدان النظر وازدواج الرؤية أو التنميل في أحد الأطراف أو الوجه، لذلك عند الإحساس بمثل هذه المشكلات يجب التوجه مباشرة إلى أقرب مركز لعلاج السكتة الدماغية.
ثالثا: "الوقت من ذهب"، أي أن الفرصة الذهبية لإنقاذ المريض تكمن في الساعات الثلاث الأولى وأي تأخير بعدها يفقد المريض فرصة العلاج، إذ إن الدراسات الطبية تشير إلى أن مذيبات الجلطة لا تعمل بعد الساعات الأولى، بل إنه ثابت علميا أن كل دقيقة يتأخر فيها المريض يفقد أكثر من مليوني خلية عصبية.
رابعا: لا يتوافر العلاج إلا في المراكز الطبية المتقدمة، لذلك ينبغي على كل واحد منا أن يعرف أقرب مركز يتعامل مع مثل هذه الحالات، خصوصا فيما يتعلق باستخدام مذيبات الجلطة وعملية فتح الشرايين في الساعات الأولى، ومن ثم التوجه مباشرة إلى المستشفى دون أدنى تأخير عند الشعور بالأعراض ـ لا سمح الله.
إن المؤشرات الصحية في المجتمع السعودي تدل على أن أمراض السكتة ستزيد في المستقبل، نظرا لزيادة السمنة وارتفاع ضغط الدم والسكري وارتفاع معدلات التدخين، لذلك يجب أن نعمل جميعا وعلى جميع المستويات لمكافحة هذا المرض ولنكن سويا يدا بيد ضد السكتة الدماغية.
أستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية
استشاري أمراض المخ والأعصاب ومتخصص في أمراض السكتة الدماغية
المشرف على برنامج الحرس الوطني لعلاج السكتة الدماغية