مشكلة عام 2000 والبروتوكول Ipv4

ضمن إطار اهتمامات هيئة الاتصالات بكل ما هو جديد في عالم التقنية، ومواكبة التطورات العلمية أولاً بأول، والمشاركة عن قرب في المواضيع ذات الصلة بالتطبيقات التقنية الحديثة، وما يدخل في تطوير قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في السعودية، نظمت الهيئة بالتعاون مع شركة ديفوتيم الاستشارية في العاصمة الرياض أخيراً ورشة عمل عامة، حول الإصدار السادس لبروتوكول الإنترنت IPv6، الذي من المقرر له أن يحل محل البروتوكول الحالي Ipv4.
وكمستخدمين فإن هذا الموضوع مهم جداً، حيث نعتمد بشكل كلي على البروتوكول Ipv4 في التواصل مع الآخرين، وهو موجود في تعريفات الشبكة لكل جهاز كمبيوتر شخصي، والذي يتميز بأنه المسار الذي يوصل المستخدم بالإنترنت عبر بروتوكول " TCP/IP " ، والذي تم تصنيعه بطريقة تسمح بنفاذه وتعريفه بكل التطبيقات الحاسوبية، وذلك لأن أجهزة الحاسوب غير موحدة في طريقة صنعها أو تشغيلها، كونها تعمل بلغات ونظم تشغيل مختلفة، منها نظام "ويندوز" و"يونكس" و"ماكنتوش" وغيرها. وبواسطة هذا البروتوكول يمكن لهذه الأجهزة أن تتصل ببعضها البعض عبر شبكة واحدة، وتتفاهم فيما بينها من خلال تلك الشبكة.
تحدث عدد من الخبراء المتخصصين في أنظمة الشبكات أكثر من مرة وفي عدد من مناسبة عالمية، بأن البروتوكول الحالي Ipv4 لم يتبق على عمره سوى سنوات معدودة، وأنه قد يصل مع التطورات المتسارعة في صناعة التقنية وتزايد الاعتماد على استخدام مزيد من تطبيقات الشبكات في مجالات التعاملات والتعليم والصحة الإلكترونية وغيرها، على مستوى الأفراد والقطاعات والمدن الذكية والدول فيما بينها، إلى نقطة التوقف مع آخر رقم للبروتوكول Ipv4 ، لتنتهي بذلك أرقام البروتوكولات، مما يوقع العالم بأسره في مشكلة الانتظار لحين إنشاء بروتوكول جديد بخانات أوسع تستوعب الطلبات لعقود طويلة من الزمن.
يذكرني هذا المأزق بأزمة عام ألفين "2000" العالمية الشهيرة مع جميع الحاسبات في جميع أنحاء العالم، عندما اقتربت الألفية الميلادية الثانية من نهايتها، حيث توقف عداد التاريخ عند 31-12-99، لبعض الأجهزة، وكانت المشكلة أكثر تعقيداً لدى الدوائر الحكومية بشكل عام وقطاعات المال والأعمال على وجه الخصوص.
وكانت لي وقفات بصفة شخصية مع هذا الحدث العالمي في تلك الفترة منذ لحظة حشد الجهود من المطورين والمبرمجين والمسؤولين لحل الإشكالية، وحتى لحظة ترقب العالم للتغيرات المحتملة على كل التطبيقات المعتمدة على التقنية مثل: الطاقة الكهربائية، والاتصالات، والمشاريع المائية، وتدفق النفط، والطائرات، وبعض السيارات، والبنوك والمشاريع الحيوية الأخرى في مختلف أرجاء البلاد، بجانب مواصلة العمل على مدار 24 ساعة لهذه القضية فقط لعدة أيام في قطاع الأحوال المدنية والجوازات والمالية والخطوط السعودية وغيرها، إضافة إلى البنوك ومؤسسة النقد. بل صاحب تلك المرحلة هلع الأفراد على أموالهم في البنوك خوفا من فقدان أرصدتهم، حيث فكر البعض في سحب رصيده كاملاً، خوفاً من أن تطولهم أخطاء برمجية بسبب تغيير التاريخ وضياع البيانات البنكية لأرصدة العملاء، أو تبعثر أرصدتهم. ومن مبدأ السلامة عمل البعض على الاحتفاظ بأمواله بالقرب منه. وفي المقابل كانت البنوك تعمل ليل نهار وتجند موظفيها في الأيام الأخيرة من عام 1999 بتحميل البيانات وتخزينها على أجهزة جديدة متوافقة مع عام 2000.
حينها تواجدت في مقر مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مع مجموعة من الإعلاميين وعدد من المسئولين يتقدمهم الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية، والدكتور صالح العذل رئيس المدينة حينها، وبدأنا نترقب التغيرات المحتملة في العالم بدءا من نيوزيلندا شرقا، كأول دولة تدخل الألفية، وحتى بدء دخول الألفية عند الساعة 12 من نهاية عام 1999 في الدول المحاذية شرقا، وبدأت الأنظار تترقب أخبارها وتراقب قنواتها الفضائية، لتصلنا الأخبار الإيجابية المطمئنة عبر مركز الاتصال المتصل بجميع الخدمات، وكانت الأوضاع لدينا مطمئنة ولله الحمد، وبقينا كذلك في هذا الحال مع وزير المالية وحتى الثالثة فجرا نترقب ونستقبل الاتصالات من جميع أرجاء المملكة وحتى صباح اليوم الأول من العام 2000، فكان يتابع بالاتصال حول البلاد للتأكد من تجاوز المرحلة الحرجة، وتم ذلك بكل نجاح، نظير الجهود المضنية والاستعدادات التي سبقت هذا التاريخ لتفادي أي أزمات قد تحدث جراء هذه المشكلة.
وبالمثل يقاس اهتمام هيئة الاتصالات للاستعداد لمواجهة عقبة تجميد البروتوكول الحالي، التي أخذت تعتني بالإصدار السادس لبروتوكول الإنترنت IPv6 الذي يمثل أحد الإصدارات الحديثة للإنترنت، ويستوعب عدداً هائلاً من العناوين التي ستلبي الاحتياجات لعشرات السنين، وتسمح بظهور تطبيقات جديدة مبتكرة بفضل توافر هذه العناوين، إضافة إلى أخذه في الحسبان أمورا مهمة أخرى في خدمات الإنترنت مثل جودة الخدمة، والأمن المعلوماتي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي