العنف يهدد الحب والوئام ويدفع المجتمع إلى التفكك الأسري
دعا عدد من المختصين إلى ضرورة إيجاد الحلول العاجلة لظاهرة العنف الأسري التي بدأت تغزو مجتمعاتنا الإسلامية، وأكدوا أن حسن التعامل مع الأبناء والزوجات من شأنه أن يحد من هذه الظاهرة بل يقضي عليها، وأكدوا حاجة المجتمعات المسلمة إلى التمسك بأهداب الدين الإسلامي القويم، والبعد عما يسهم في البعد عنه، والعمل على تقوية الوازع الديني لدى الناس حتى يكونوا متمسكين بدينهم عاملين به، بعيدين عن الوقوع فيما يبعدهم عنه, ما يقلل ظاهرة العنف متى ما أصبح الإيمان مسيطرا على القلوب ورافعا للهمم.
مظاهر سلبية
في البداية يتحدث الشيخ علي الحدادي إمام مسجد بطيحان في الرياض عن ظاهرة العنف الأسري فيقول فضيلته: تعد هذه الظاهرة من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تؤثر في الأسرة المسلمة وتسبب كثيرا من المشكلات, وهي نتيجة لعدة أسباب متراكمة لعل من أبرزها ضعف الوازع الديني لدى الأسر والأبناء والأزواج والزوجات، وهي تسهم في العصف بالكيان الأسري، وتهدِّد التماسكَ الاجتماعي، وبسببه كثرت ظواهرُ عقوق الأبناء وتساهل الآباء، وتقلّصت وظائف الأسرة، وكثُر جنوح الأحداث، وارتفعت نسبُ الطلاق والمشكلات الاجتماعية، وتعدّدت أسباب الجريمة ومظاهر الانحراف والانتحار والعنف العائلي والمشكلات الزوجية، ووهن كثير من الأواصر، وضعُف التواصل بين الأقارب والأرحام، وسادت القطيعة والجفاء، ويشير فضيلته إلى أهمية الصلات الاجتماعية وحل الأمور قبل أن تتفاقم وتزداد سوءا.
ولعل أخطر القضايا الأسرية التي لها آثارها السلبية في الأفراد والأسر والمجتمع والأمة، تلكم هي ظاهرة التفكك الأسري والخلل الاجتماعي نتيجة العنف الأسري وضعف التربية، ما ينذر بشؤم خطير وشرّ مستطير، يهدّد كيانَها، ويزعزع أركانَها، ويصدّع بنيانها، ويحدث شروخاً خطيرة في بنائها الحضاري ونظامها الاجتماعي، ما يهدِّد البُنى التحتية لها، ويستأصل شأفتَها، وينذر بهلاكها وفنائها.
ولذلك فإن الترابطَ الأسري والتماسكَ الاجتماعي ميزةٌ كبرى من مزايا شريعتنا الغراء، وخاصية عظمى من خصائص مجتمعنا المسلم المحافظ الذي لُحمته التواصل، وسُداه التعاون والتكافل تسهم في القضاء على العنف الأسري. والمجتمعات الإسلامية كلما كانت قريبة من ربها كانت أكثر تحقيقا للاستقرار وحدوث المحبة والوئام الأسري والوئام الاجتماعي، ، ويبعد الأسرة وأفرادها عن الوقوع في براثن المشكلات المؤلمة، التي تجرها إلى مستنقع موبوء ووَحل محموم، من أمراض حضارة العصر التي سرت عدواها إلى بعض المجتمعات الإسلامية، فاجتاحت المثلَ الأخلاقية العليا والقيم الاجتماعية.
مجتمع متراحم ومترابط
من جهته, قال الشيخ أحمد السيف إمام وخطيب جامع السليم في حي الصحافة, إن ظاهرة العنف الأسري من الظواهر التي لم تكن موجودة من قبل, فمجتمعنا ـ كما ذكرت ـ مجتمع متراحم ومترابط, والأسرة فيه مترابطة ومتماسكة بفضل الله, إلا إنه في السنوات الأخيرة طغت على المجتمع ما يسمى ظاهرة العنف الأسري التي تمثلت في الاعتداء على الأبناء, وسمعنا عن حالات أليمة لهذه الظاهرة الوافدة, ولعلي في هذه أدلي بدلوي في هذه الظاهرة المؤلمة التي لها آثارها السلبية في المجتمع وتماسك الأسرة، وتحتاج إلى علاج من أهل الاختصاص وتعاون الجميع, ولعل مما يمكن أن أشير إليه النقاط التالية:
أولا: إن الدين الإسلامي دين الرحمة والرأفة والمودة والمحبة والسلام, ولعل من أحق الناس بهذه الأمور هم أقرب الناس إليك, ونحن لو تأملنا نصوص الكتاب والسنة لوجدنا كثيرا منها يدعو إلى ذلك على وجه العموم, يقول تعالى "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" ويقول تعالى واصفا نبي الرحمة "بالمؤمنين رؤوف رحيم" ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم – "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف لكبيرنا قدره" وقوله ـ صلى الله عليه وسلم "من لا يرحم لا يرحم", إلى غير ذلك من نصوص الشرع المطهر.
ثانيا :هناك نصوص دعت إلى حسن التعامل مع الأهل مثل قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" وقوله "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول".
دور المؤسسات التعليمية والخطباء
كذلك لا بد أن تكون هناك توعية مستمرة للأسرة عن طريق وسائل الإعلام المختلفة للحيلولة دون استمرار هذه الظاهرة التي انتشرت في أوساط المجتمع، وهناك مسؤولية على جميع الأفراد للعمل على وجود السعادة الأسرية في وسط عائلته والتعامل بالتي هي أحسن وغير ذلك من الوسائل المساعدة على القضاء على هذه الظاهرة.
ويوضح الإخصائي الأسري الشيخ مساعد الشهري أن من يبحث عن أسباب العنف الأسري يجد أنها ذات أسباب مختلفة وعوامل متباينة، وعند العمل على علاجها يحتاج الأمر إلى دراسة الحالات التي يكون العنف لديها كبيرا، ولا بد من العمل على مساعدة الأسرة في التنشئة الاجتماعية السوية للأبناء من خلال إعداد برامج ونشرات وملصقات لتوعية الوالدين بالأساليب الصحيحة للتعامل مع الأبناء, وبصفة خاصة في مرحلة المراهقة، وأقترح إنشاء مكاتب عديدة يسهل الوصول إليها لتقديم الاستشارات الأسرية، ومساعدة الأسرة على مواجهة مشكلاتها من خلال خبراء واستشاريين.
تزايد في عدد محاولات
من جانبها, قالت باحثة اجتماعية إن هناك تزايدا في عدد محاولات الانتحار بين النساء من 11 إلى 16حالة شهرياً، الباحثة أجرت بحثها الميداني على الحالات الواردة إلى مستشفى الرياض المركزي والمركز الخيري للإرشاد الاجتماعي، وأكد الاختصاصيون الاجتماعيون في المستشفى أن هناك 96 محاولة انتحار من النساء أدخلت المستشفى بواقع 16 حالة شهريا. إذن تنتحر النساء في مجتمعنا وتتزايد النسبة وذلك لشعورهن بالإحباط ولأنهن وجهن عنفهن نحو الذات.
وأضافت أن العنف تجاه الذات لا يقل خطورة عن العنف الموجه تجاه الآخر، فالإحساس بالإحباط الشديد من المحيط الاجتماعي للمرأة، والتفكير السلبي بأن المشكلات لا تحل والطرق مسدودة مع انعدام الأمل, معطيات تدفع بعض النساء إلى إنهاء حياتهن.
كما أن الانتحار بين الفتيات ليس مجرد رغبة في الموت، بل هو ترجمة لضعف الوازع الديني حيث لا يشعر المرء يقينا بأن الله قادر على تفريج الكرب وإزالة الهم فقط إذا تيقن الإنسان ودعاه بإخلاص.
والانتحار مؤشر عن اضطراب الشخصية، فليس كل من واجهته مشكلات لجأ إلى الانتحار.
إيجاد الحلول المناسبة
وتؤكد الأخصائية التربوية فاطمة الحمد إن تعرض الزوجة للعنف من قبل زوجها يستوجب منها الوقوف وقفة مع النفس من أجل حسم خياراتها. فإذا رغبت في إنقاذ زواجها فذلك يستوجب منها الجلوس مع زوجها جلسة مصارحة، والعمل معه لإنجاح زواجهما, وهذا يكون بتوافر العوامل التالية:
أ- أن تتوافر لدى الزوج رغبة شديدة في التوقف عن ممارسة العنف، وأن يقتنع بأن العنف أصبح مصدر ضرر له ولعائلته.
ب- أن يتوافر لدى الزوجة الرغبة والأمل في إيجاد الحلول المناسبة لمشكلتها. ذلك أن استسلامها للعنف فترة طويلة من الزمن يجعلها تستسلم لقدَرِها وتيأس من وجود طريقٍ يمكن أن يعينها على الخلاص مما هي فيه.
ومن وسائل العلاج المفيدة في مثل هذه الحالة أسلوب الإيحاء الذاتي. وهو يقوم على تغيير طريقة التفكير واستبدال العبارات السلبية بأخرى إيجابية، فيستبدل الزوج فكرة "يجب أن تسمع الزوجة كلامي", بفكرة " سيزول تأثير عنفي مع زوجتي سريعا بينما الكراهية الناتجة عنه بيننا ستدوم طويلا" . وكذلك تستبدل الزوجة فكرة "إن قاومته سيضربني بشدة " بعبارة "إن واجهته مرة لن يكررها ثانية".
والحل الثاني يستوجب من المرآة خيارا شجاعا وجريئا بطلب الطلاق وإنقاذ نفسها وإنقاذ عائلتها . فصمتها الذي تعتبره خدمة لأبنائها وحفاظا على أسرتها قد ينقلب عليها وعلى صحة أطفالها النفسية والعقلية، إذ إنه سيجعل الأولاد يتقبلون مع الوقت فكرة الضرب. وقد يبادرون هم أيضا إلى ضرب أمهم أو ضرب زوجاتهم في المستقبل. ويمكن أن تظهر عليهم الأمراض النفسية الخطيرة وعلى رأسها الخوف والقلق وفقدان الإحساس بالأمان.
يحتاج إلى التدخل العاجل
ويؤكد إبراهيم ماطر أن تعاطي المخدرات من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى العنف الأسري، إضافة إلى الأمراض النفسية, حيث إن كثيراً من الحالات العنيفة يأتي من شخص مريض غير مستقر نفسيا ولا يخضع للعلاج السلوكي أو الدوائي فيمارس شتى أنواع الضغوط النفسية على أقرب الناس له أو الإيذاء الجسدي ويراه من حقه وأن من يقع عليه الإيذاء يتقبل هذه الممارسة دون اعتراض، أيضا اضطراب الشخصية وهذه بينها وبين المرض النفسي خيط رفيع لا يدركه إلا المقربون من الشخص نفسه، كما أن كثيراً من الحالات المعنفة تكون قد مرت بمشكلات أسرية مختلفة في شدتها ولكن لا تتم معالجتها منذ بدايتها، ويتم إهمالها لسنوات طويلة ما يؤدي إلى وصولها إلى مرحلة من الإيذاء الذي يحتاج إلى التدخل العاجل.
خطورته
وتضيف الأستاذة موضي الزهراني أن العنف مهما كان نوعه ودرجته له مخاطر كثير على الصحة النفسية والبدنية والعقلية خاصة في المحيط الأسري وما ينتج عنه من شخصيات عدائية وسلبية تشعر بالاضطهاد النفسي الذي قد تكرره مع جيل آخر، ويضيف الدكتور محمد الحربي أن العنف الأسري يؤدي إلى إزهاق وتحطيم الروح المعنوية والنفسية للإنسان المتعرض لهذا السلوك المشين وسلب حقوقه الإنسانية في التعبير بكل حرية عن آرائه، ما يؤدي إلى تنامي شعور الحقد والكراهية والرغبة في الانتقام لدرجة القتل من الفرد المعنف أو من أحد أفراد أسرته المتعاطف معه، إضافة إلى الآثار الجسدية التي تبقى فترة من الزمن فلا يتم نسيانها بسهولة من ذاكرة الضحية كالحروق والكدمات والكسور وغيرها، ويشير الدكتور مفلح القحطاني إلى أن العنف الأسري ظاهرة خطيرة حيث إنه يحدث في أكثر بيئة يفترض أن تكون مصدر الحماية والأمان للفرد، والأسرة هي نواة المجتمع فحالما تتصدع هذه النواة فإن ذلك يؤدي إلى تصدع المجتمع ككل، وبالتالي فلا بد من دراسة أسباب العنف الأسري والعمل على معالجتها.