مداخلة لم تُمكن في منتدى

في منتدى اقتصادي وفي جلسة حوار عن الأزمة المالية الحالية ابتدأ شيخ فاضل حديثه بآية الربا التي فيها التهديد والوعيد بحرب من الله ورسوله ثم عطف عليها بقول رسولنا الكريم "لا تبع ما ليس عندك" كسبب للأزمة المالية الحالية، فكان سياق الكلام يدل على أن بيع المشتقات الذي كان أحد الأسباب الرئيسية الظاهرة للأزمة المالية الحالية داخل في نطاق الآية. وهذا غير صحيح. فعقود بيع المستقبل التي تغلب على أنواع المشتقات هي بيع سلم دون تسليم الثمن في المجلس. وهذا بيع باطل وفاسد، للحديث الشريف "لا تبع ما ليس عندك" وهو من إعجاز هذا الدين وصدق نبوة نبينا عليه الصلاة والسلام. وقد منعت بعض دول أوروبا بيع أنواع من المشتقات من قديم الزمان عندما كانت السبب وراء كساد اقتصادي في هولندا. ولكن لعمر الله ما علاقة هذا بالربا. بيع ما لا يملكه الإنسان هو عقد باطل يأثم به فاعله ويحق الفسخ ولكنه ليس بربا، الربا شيء والبيع الباطل شيء آخر.
يحشر أهل مصرفية الحيل كل شاردة وواردة في البيوع والعقود تحت مظلة الربا لإرهاب الناس والتشويش عليهم فتختلط الأمور وتصبح كالألغاز عند عامة الناس.
ويتنادى بعض البسطاء إلى الكهنوت وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. فلا يجوز عندهم نقاش أمور صيرفة الحيل إلا بعد أخذ التصديق من أهل الاختصاص تماما كالأسهم النقية. هم قد زعموا أن ذلك من أمور الدين، والدين من الحيل والتحايل براء. ولعمر الله من أين جاءوا بأن الدين لا يناقش مع عامة الناس وأنه حكر على الخاصة وبعضهم حكره على خاصة الخاصة. ألم تشارك امرأة عمر في فتوى المهور؟ من أين لهم بدليل كتمان العلم أم هي رهبانية أو باطنية أو يهودية ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان.
كلما ابتعد الناس عن معرفة تفاصيل دينهم الدقيقة والجليلة وتوقفوا عن طلب الدليل من علمائهم وسلموا لهم عقولهم ودينهم دون الكتاب والسنة، اتجه ذلك المجتمع إلى الضلال والشرك والبدعة ودفع الأتاوات لتحليل تحريم ما لم يحرمه الله ورسوله.
توقع حكماء الاقتصاد كارثة مالية عالمية مند تباشير انفكاك الدولار عن الذهب وقد تحدث عنها مفكرو الغرب قديما وحديثا، فتلقفها بعض المنتسبين للاقتصاد الإسلامي وكعادتهم نسبوه إلى الربا المبني على تصورهم بأن الفائدة الحديثة هي المسببة لهذه الكارثة.
في الواقع، هذه الكارثة المتوقعة هي دليل على بطلان تصورهم للأوراق المالية الحديثة. هم نظروا إلى مظهر من مظاهر مقدمات الكارثة المالية المقبلة ولم ينظروا في أصل المسبب لها وهو وهمية هذا النظام وإصدار العملات من غير غطاء تحت سندات ورقية لا تغني شيئا لو طولب بها حقيقة. وهذا قد نبه إليه جرينسبان، مدير البنك المركزي الأمريكي السابق، في مقال له شهير عام 1967، حيث نص على أن سد عجز الحكومة من المصروفات سيكون عن طريق إصدار أوراق وهمية متزايدة تنقص قيمة المدخرات عند أهل الإنتاج بعملية وصفها بالمكر والخبث من إلغاء الذهب كغطاء لهذه الوعود، وما حدث كان صحيحاً يقول: "القانون المالي للدولة يتطلب بألا يكون هناك طريقة لملاك الثروة لحماية أنفسهم. إن هناك سراً ضبابياً للشتائم الموجهة ضد الذهب. هم يريدون الإنفاق على العجز الحكومي بخطط بسيطة عن طريق مصادرة الثروة. الذهب وحده يقف في طريق هذه العملية الماكرة، يقف كمحامي حقوق الملكية فإذا أدرك الشخص وفهم ذلك لم تعد هناك صعوبة في فهم الخصومة نحو الربط بالذهب"، ويقول "ولو أن كل شخص قرر أن يحول أمواله المدخرة إلى بضائع حقيقية وأصبح لا يقبل إلا أصولاً حقيقية، كل هذه المدخرات تفقد قيمتها الشرائية وتصبح السندات والأوراق النقدية المخلوقة من قبل الحكومة لا قيمة لها"، إذن فالكارثة المالية العالمية المنتظرة التي يتحدث عنها كل اقتصاديي العالم وتلقفها كثير من المشتغلين بالاقتصاد الإسلامي وطنطنوا حولها ودندنوا هي دليل على أن الأوراق النقدية وعود وهمية مفلسة لا يمكن أن تقاس على الذهب والفضة حتى يقاس الخدم والسائقون على الجواري والعبيد.
وعلى كل حال فعندما تحصل هذه الكارثة المنتظرة فإن أكثر المستفيدين منها هو من سببها أي أمريكا والدول العظمى التي تزود العالم بهذه العملات لتُدفن في استثماراتهم النقدية الأجنبية.
هم الرأسماليون الأوائل الذين استغلوا هذا النظام المالي الجديد فبنوا اقتصادياتهم مقابل تمويلات بوعود في الذمة حتى إذا حصلت المطالبة بها حقيقة، حدثت الكارثة وأصبحت هذه الوعود لا تساوي حتى كتابة أرقامها.
ونعود إلى شيخنا الفاضل في ذلك المنتدى حيث ذكر قوله تعالى "ويل للمطففين" ويقصد به البنوك التي لم تتخذ الحيل شعارا لها ومنهاجا. وها هي وأيم الله قد رمتني بدائها وانسلت. صيرفة الحيل هي أداة في أيدي من يوظفها، فهي تصمم الودائع والتمويلات والصكوك على أساس أن يتحمل الجانب الآخر من العقد المخاطرة كاملة. فالصك لا يلزم مصدره بإعادة شراءه ويتحمل مالكه خسارة الصيانة والحوادث بينما لا يتحصل على فوائد ارتفاع قيمة التيس المحلل الذي اُستخدم في الصك. وأما في حالة التمويل، فالمتمول يتحمل مخاطرة اختلاف سعر السلعة أو السهم (التيس المحلل) بعد شرائه وليس الممول. وعند الوديعة لا يضمن البنك الخسارة ولكن لا يشارك المودع في مضاعفة الأرباح إذا تضاعفت أرباح البنك وهكذا. ودائما ما تكون صيرفة الحيل مستأجرة ومدفوع لها من الجانب الذي إن باع باع بأغلى الأثمان وإن شرى شرى بأبخسها ثم يقال للآخرين ويل للمطففين. وصدق النبي الكريم "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فأصنع ما شئت".    
 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي