منافع من رحم الأزمة
لا يختلف أحد على الآثار السلبية للأزمة الحالية، التي تدك العالم بأسره وأثرت في مناحي الحياة كافة، التي سيظهر أثرها خلال الفترة المقبلة. وقد يكون الخلاف على مقدار هذا الأثر، ومدته، ومن أكثر أو أقل المتضررين.
ورغم ذلك فلا يوجد ضرر محض، حيث إن هذه الأزمة أدت بطريقة مباشرة لكبح جماح التضخم، الذي تضرر منه معظم المستهلكين وأضعف من القدرة الشرائية للعامة، الذي كان يعد من أكبر المخاطر على الاقتصاد السعودي.
وبالنظر للاستثمار العقاري عموما خلال الفترة الماضية، فقد أدى الارتفاع المستمر والمتوالي في أسعار العقارات من بيع وتأجير إلى صعوبة اتخاذ قرارات الاستثمار، حيث إن الارتفاع المتواصل والشعور العام أن اتجاه الأسعار دوما في صعود أدى إلى جعل سياسة الشراء وانتظار ارتفاع الأسعار هي السياسة الرابحة، بغض النظر عن جدوى المشروع بناء على العوامل الحقيقية المؤثرة في المشروع.
ومن واقع تجربتنا في مجموعة كسب المالية، فقد عانينا الكثير في دراسة المشاريع العقارية بهدف تحويلها إلى صناديق استثمارية، حيث إن المشاريع العقارية التي يتم دراستها بطرق علمية تكون نتائج الدراسة متواضعة مقارنة بسياسة الشراء بهدف الربح من ارتفاع السعر فقط.
وفي اعتقادي أن الوقت الحالي هو وقت ملائم للصناديق الاستثمارية التي تعتمد الاستثمار في النشاط العقاري، حيث إنه ستكون الكلمة المقبلة للمشاريع التي تعتمد على القيمة المضافة التي يقدمها المشروع، وليس فقط ارتفاع السعر بمرور الوقت، وذلك للأسباب التالية:
* التصور العام لاتجاه أسعار العقارات هو الثبات أو الانخفاض خلال الفترة الحالية، ما عدا الزيادة بسبب النمو الطبيعي، لذا فإن التفاوض للحصول على أسعار مناسبة للعقارات في مصلحة المشتري بعكس الفترة الماضية التي كان ملاك الأراضي يتمسكون بأراضيهم لتوقعهم استمرار الارتفاع.
* تمثل تكاليف البناء في معظم المشاريع العقارية أكثر من 50 في المائة من تكلفة المشروع، ما سيعطي الانخفاض الذي طرأ على تكاليف مواد البناء ميزة إيجابية للمشاريع التي يتم تنفيذها في الوقت الحالي.
* عندما تكون المشاريع العقارية مبنية على دراسات جدوى آخذة في الحسبان الحاجات الحقيقية في السوق، فإن الطلب المبني على هذه الحاجات لا ينحسر بين ليلة وضحاها، كما يحدث في المضاربات العقارية التي يمكن أن يختفي الطلب بمجرد تغير توجهات المضاربين عن منطقة معينة.
ومن مصلحة الاقتصاد السعودي أن يكون الاعتماد الأساسي في الربح في القطاع العقاري هو القيمة المضافة للمشاريع، وليس الارتفاع المتولد من المضاربة، وبذلك ينتج عنه تلبية احتياجات الاقتصاد من المشاريع العقارية، وبالتالي يكون النشاط العقاري داعما للاقتصاد ومحركا إيجابيا له.