ما علاقة الأزمة الاقتصادية العالمية بدول مجلس التعاون؟
في هذا البحث سأحاول الإجابة عن أربعة أسئلة تبرز في ذهن المتابع لتفاعلات هذه الأزمة, خصوصاً أولئك الذين لديهم استثمارات أو يفكرون في البدء في استثمارات جديدة.
1- هل وصلت الأزمة إلى منتهاها وهل سنبدأ بمشاهدة بوادر تحسن بعد برامج التصحيح الكبيرة وبعد أن تسلمت الإدارة الأمريكية الجديدة قيادة البلاد؟
2- ماذا عملت الدول الرئيسة - خلافاً لبرامج التصحيح لتخفيف آثار الأزمة؟
3- ماذا نتوقع من مجموعة العشرين, التي ستجتمع في لندن في الأسبوع الأول من نيسان (أبريل) المقبل؟
4- ماذا عملت دول مجلس التعاون في التعامل مع تداعيات الأزمة وهل عليها أن تعمل المزيد؟
1 – للإجابة عن السؤال الأول أستطيع القول وبكل أسف إن الأزمة لم تصل إلى القاع بعد.
- فالبنوك الرئيسة منها ما أفلس ومنها ما حصل على دعم مالي كبير ومنها ما تم تأميمه، ومازال هناك بعض الذيول لتصحيح أوضاع المتبقي.
- في الاقتصاد الحقيقي هناك انخفاض كبير في الطلب لمعظم السلع والخدمات.
- في الإنتاج الصناعي هناك انخفاض يراوح بين 40% و 60%.
- بعض الدول خصوصاُ في أوربا الشرقية سوف تفلس إذا لم توضع حلول عاجلة لمديونياتها.
- تواجه معظم الدول ارتفاعا في معدلات البطالة.
- أصبحت معدلات النمو الاقتصادي سالبة في معظم الدول الرئيسة.
إلا أنه لحسن الحظ حتى الآن لم نواجه إفلاسات بأعداد كبيرة، ويرى المتابعون أنه في الأزمات المشابهة السابقة لم تبدأ الأسواق في التحسن إلا بعد فترة من الإفلاسات.
2 – أما بالنسبة للسؤال الثاني فقد سمعنا كثيراً عن برامج التصحيح الكبيرة التي تبنتها الدول الرئيسية والمبالغ الهائلة التي تم اعتمادها خصوصاً في الولايات المتحدة ودول أوروبا واليابان والصين لكن الشيء الذي لم نسمع عنه إلا القليل هو ما تقوم به البنوك المركزية للتعامل مع هذه الأزمة عن طريق السياسة النقدية. وكما هو معروف فإن السياسة النقدية من قبل البنك المركزي تعتمد على تحريك سعر الفائدة وعمليات السوق المفتوحة لضخ مزيد من السيولة في النظام البنكي أو سحب بعض السيولة إذا كانت حالة الاقتصاد تتطلب ذلك، إلا أن السياسة النقدية تصبح أكثر صعوبة إذا وصل سعر الفائدة إلى الصفر أو قريباً من ذلك.
دعونا نأخذ بنك الاحتياط الأمريكي كمثال على ذلك. يقوم الاحتياط الأمريكي حالياً بشراء أصول من البنوك وفقاً للسياسة الجديدة المسماة "التدخل الكمي" أو "التسهيل الكمي" Quantitative Easing وشراؤه هذه الأصول لا يتوقف على السندات الحكومية وإنما يشمل جميع أنواع الأصول تقريباً بحيث زادت محفظته من الأصول من 900 مليار دولار في بداية 2008 إلى أن أصبحت في نهاية السنة 2.2 تريليون دولار. ويرمي بنك الاحتياط من وراء هذه السياسة إلى تحقيق عدة أهداف:
أ ) إعطاء البنوك مزيداً من السيولة لتشجيعهما على الإقراض ومن ثم تحريك الاقتصاد.
ب) إرسال رسالة قوية لمن يهمه الأمر بأن البنك المركزي عازم على إبقاء سعر الفائدة منخفضا لفترة طويلة.
ج ) تحسين أسعار الأصول التي ما زالت البنوك تحتفظ بها وبالتالي تحسين الوضع المالي لهذه البنوك.
د ) تخفيض تكاليف القروض الحكومية الحالية وجعل تكاليف برامج الإصلاح القادمة أخف عبئاً على دافعي الضرائب.
ومن المتوقع أنه في حال نجاح هذه السياسة في الولايات المتحدة أن تتبناها البنوك المركزية الأخرى.
3 – أما إذا انتقلنا إلى النتائج المتوقعة من الاجتماع المقبل لمجموعة العشرين فيجب الإشارة بادئ ذي بدء إلى أن الصوت الأعلى في ذلك الاجتماع سيكون للأوروبيين لسبب بسيط وهو أن ستة رؤساء دول أوروبيين سيشاركون إضافة إلى رئيس الاتحاد الأوروبي و(رئيس الوزراء التشيكي) ورئيس صندوق النقد الدولي (فرنسي) ورئيس منتدى الاستقرار المالي المنبثق عن مجموعة الدول السبع (إيطالي) ورئيس هيئة المجموعة الأوروبية (إسباني). أي أن أوربا ستكون ممثلة بأكبر من حجمها الاقتصادي, إضافة إلى أنها تواجه أكثر المشاكل على اعتبار أن تسع دول أوروبية مهددة بالإفلاس. وسوف يطغى صوتها على أصوات اليابان والصين والهند والبرازيل وغيرها. ومن هذا المنطلق فإن اجتماع الأسبوع الماضي لرؤساء الدول الأوروبية قد خرج بتوصيات محددة حول مزيد من الرقابة على البنوك سواء بالنسبة لرؤوس الأموال ومعدلات السيول، وصناديق التحوط Hedg Funds، وصناديق الأصول الخاصةprivate Equity ، ومؤسسات التصنيف الدولية، ومكافآت الموظفين ... إلخ، بمعنى آخر فإن بنوك الاستثمار لن تعود إلى ما كانت عليه في السابق. كما نادى الرؤساء الأوروبيون بوضع مزيد من القيود على مراكز التهرب من الضرائب.
أما بالنسبة لصندوق النقد الدولي فقد نادى الرؤساء بزيادة موارده من 250 مليار دولار إلى 500 مليار دولار لكن من غير الواضح من أين ستأتي هذه الموارد عدا الـ 100 مليار دولار الذي سبق أن تعهدت بها اليابان. فرئيس الصندوق قد صرح أكثر من مرة بأنه لا يعتقد بإمكانية مراجعة حصص الدول كي تعكس حجمها الاقتصادي وتعطي صوتاً أكثر للبلدان النامية وذلك نظراً لأن العملية ستطول والوضع يحتاج إلى علاج عاجل.
لذا فإن هناك خيارين لزيادة هذه الموارد. إما قيام الصندوق بالاقتراض وإما بيع جزء من مخزونه من الذهب الذي يبلغ حالياً 103 ملايين أونصة، وبالأسعار الحالية يمكن أن يحصل على مبالغ تصل إلى 100 مليون دولار.
ومن الواضح أن الوصول إلى اتفاق لإيجاد نهاية ناجحة لجولة الدوحة هذا العام غير وارد نظراً للميول الحمائية التي أفرزتها الأزمة الحالية. وكل ما يمكن الوصول إليه هو تأكيد القمة على ضرورة عدم وضع قيود جديدة على التجارة الدولية.
كما أن المناقشات الحالية لا توحي بأي شيء جديد تجاه إعادة النظر بنظام النقد الدولي الذي أرسى دعاءمه نظام بريتون ورد قبل خمسة وستين عاماً.
4 – في الختام دعونا ننظر لتبعات الأزمة على دول مجلس التعاون وما اتخذته هذه الدول من سياسات وهل تحتاج إلى مزيد.
إن دول مجلس التعاون ماضية حالياً في تفقد برامجها التي كان مخططا لها في السابق للتوسع في إنتاج النفط والغاز وذلك رغم انخفاض أسعار النفط والطلب عليه وبالتالي انخفاض مواردها. والهدف من ذلك هو التأكيد على توافر كميات كافية من الوقود لدوران الاقتصاد العالمي.
إن الزائر لأية مدينة أو منطقة في دول المجلس يشاهد رافعات البناء في كل مكان وافتتاح المدن الصناعية الجديدة وتطوير الهياكل الأساسية، فقد شاهدنا خلال أسبوع في المملكة على سبيل المثال توقيع عقد الخط الحديدي الذي يربط مكة والمدينة عن طريق جدة، إقرار المضي في إنشاء مصفاة جازان، وتوقيع عقود إنشاء مدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل. إن هذه المشاريع إضافة إلى أنها كانت استجابة لاحتياجات محلية فإنها سوف تساهم بلا شك في تحريك الاقتصاد العالمي.
مازال قطاع الأعمال يشتكي من عدم كفاية القروض المقدمة من البنوك، ويعود السبب في ذلك إلى أحجام البنوك الدولية من الإقراض نتيجة لأوضاعها المتردية ووصول البنوك إلى حدودها العليا في الإقراض، وهذا يؤثر سلباً بشكل مباشر في حركة الاقتصاد، لذا لا بد من وضع حلول ناجحة, ومن الحلول التي يمكن اقتراحها في هذا الشأن:
أ – قيام الحكومات بإيداع مزيد من السيولة للبنوك لتمكينها من زيادة الإقراض.
ب – قيام البنوك المركزية بشراء بعض الأصول من البنوك أسوة بما يفعله بنك الاحتياط الأمريكي.
ج – مراجعة حدود الإقراض إلى أعلى، وتخفيض الاحتياطي المودع لدى البنك المركزي.
د – زيادة رؤوس أموال البنوك.
- إن مجلس التعاون يعتبر من المناطق القليلة في العالم التي لايزال الاستثمار فيها يتمتع بجاذبية كبيرة وتكثر فيها عقود الإنشاء الجديدة.
- لذا فإن الدول الرئيسية إذا كانت راغبة في إيجاد منافذ لشركاتها ومقاوليها وتصريف منتجاتها فإن عليها أن تشجع بنوكها وهيئات الضمان التابعة لها على توفير الائتمان المطلوب لشركاتها الراغبة في استغلال الفرص المتاحة في دول المجلس.