الجمعة, 2 مايو 2025 | 4 ذو القَعْدةِ 1446


الأطباء المعتبرون يقررون متى يمكن تحديد نسل المرأة

فند عدد من المختصين دعاوى دعاة تحديد النسل وأكدوا أن بعض الدول الغربية بدأت تتراجع عن ذلك بعد أن أصبح عدد النساء لديها أكثر من الرجال كما هو حال ألمانيا في وقت من الأوقات، وأبانوا أن من مقاصد النكاح العظيمة وجود الذرية, وتطرقوا إلى عدة أمور متعلقة بالنسل وأهميته للمسلمين، والحالات التي يمكن فيها تحديد النسل.
في البداية يقول الشيخ الدكتور خالد بن عبد الرحمن الشايع الداعية الإسلامي: لا ريب أن من مقاصد النكاح العظيمة وجود الذرية والتناسل بين الزوجين، ولهذا امتنَّ الله ـ تعالى ـ على عباده بهذه النعمة، وبيَّن أنها آيةٌ عظيمةٌ من آياته ـ جلَّ وعلا، فقال سبحانه: "والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة" الآية من سورة النحل. وقال تعالى: "ولقد أرسلنا رسلاً من قَبلِكَ وجعلنا لهم أزواجا وذرية".
#2#
كما أن نبينا محمداً قد نبَّه الأمة إلى أهمية كثرتها وتناسلها وحثَّها على ذلك، فقد روى أبو داود والنسائي عن معقل بن يسار قال: "جاء رجل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: إني أصبتُ امرأةً ذات حسب وجمال، وإنها لا تَلِد، أفأتزوجُها؟ قال: "لا"، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: تزوجوا الودود الولود فإني مُكَاثر بكم الأمم".
وتأثر بعض أهل الإسلام اليوم بدعوات تقليل النسل أو تحديده، واغتروا بما يسمعونه من بعض التحليلات التي تُبنى على دراسات اقتصادية بحتة يشوبها كثيرٌ من فساد التصور.

دعوات تحديد النسل
يضيف الشيخ الشايع أن بيان الخطأ في دعوات تحديد النسل من جهات عدة:
أولا: أن دعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمته إلى كثرة النسل صادرة منه وهو المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى والذي ما ترك خيراً إلا وهو الصادق المصدوق وبيَّنه لأمته ورغَّبها فيه، ولا شراً إلا بينه وحذرها منه، فلا غرو حينئذ أن دعوته للتكاثر محضة, فلا يلتفت حينئذ لأي رأي خالفها بل يُرد ويُطَّرح.
ثانيا: أن الواقع أثبت أنَّ قوَّةَ الأمم وعزَّها يعتمد على كثرة عَددها، وأن الأمة التي يقل عدد أفرادها مهما ملكت من مصادر القوة إلا أنها تبقى ضعيفة ذليلة.
ومن الأمثلة على هذا في عالم اليوم تايوان وهونج كونج ونحوهما، وقد اشتهر عن القائد الإيطالي الشهير موسوليني أنه كان يؤكد على حكومته بتوعية شعبه بضرورة التناسل والتوالد، حتى إنه أصدر أمراً بمنح الجوائز وإغداق الهدايا على كلِّ أُمٍّ تزيد في عدد مرات ولادتها.
#3#
التحجج بالجانب الاقتصادي

يعرج الشيخ الشايع على بعض ما يتحجج به من يدعو إلى تحديد النسل، ومرتكزهم في هذا هو الجانب الاقتصادي وتوفير المعيشة للأجيال.
والرد على هذا من وجهين، الأول، وهو الأساس: أن الله تعالى تكفَّل بمعايش الخلق أجمعين، فقال سبحانه: (وما من دابة إلا على الله رزقها) سورة هود : 6, فأخبر تعالى أنه متكفل بأرزاق المخلوقات من سائر دواب الأرض صغيرها وكبيرها بحريِّها وبريِّها.
بل إن الله سبحانه قد ردَّ على جميع الطوائف التي تحمل فكرة التشكيك في الأرزاق ومدى كفايتها للأجيال اللاحقة، فقال سبحانه في سورة الأنعام: "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم". ومعنى من إملاق, أي لا تقتلوهم بسبب فقركم الحاصل، وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سولت لهم الشياطين ذلك، فكانوا يئدون البنات خشية العار، وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار، ولهذا ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود سأل رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي الذنب أعظم؟ قال : أن تجعل لله نِدَّاً وهو خَلَقَك. قلت: ثم أيّ؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك" الحديث.
وأما الوجه الثاني وهو فرعٌ عن الأول: فإن المتبصرين الحاذقين في علم الاقتصاد يعلمون علم اليقين أن كثرة العدد لها أثرها الكبير في وفرة الإنتاج وكثرة البناء في شتى الميادين، بل إنَّ الفرصة تكون أكبر لوجود النابغين والموهوبين، لكن المشكلة إنما تنجم عن سوء التخطيط وفساد التدبير.

التكثير هو الأساس
ويؤكد في نهاية حديثه أنه يجدر التأكيد على أن الدعوة لتكثير النسل هي الأساس وهي الأصل، كما دلَّ عليه النصوص الشرعية والنظر الصحيح، لكن ثمة تنبيهات:
الأول: ضرورة رعاية النسل بتعليمه وتثقيفه وتربيته على معالي الأخلاق ومحاسن الشيم، والسعي الحثيث إلى الكسب والإنتاج والعمل، فإن مشكلات الشعوب الإسلامية اليوم، خصوصاً من يزعم أنها تعاني كثرةً في عَددها وشُّحَاً في مواردها ومجالات العمل فيها، تلك المشكلات لم تنجم عن كثرة العدد، بل إن كثرة عددهم مؤهِلةٌ لقوَّتهم وتقدمهم ومزيد إنتاجهم وتكاملهم واكتفائهم الذاتي، لكن مشكلتهم نجمت عن أنواع من الفساد الإداري وسوء التخطيط الاقتصادي.
الثاني أن عمومات الشريعة لا تعارض مسألة تنظيم النسل، وفق ضوابط شرعية، خصوصاً لدى قيام الحاجة إلى هذا التنظيم، لكن بشرط اتخاذ الوسائل غير الضارة في ذلك ومن غير أن يكون الأمر وجهاً آخر أو حيلةً لتحديد النسل.
الثالث أن الشريعة لا تمانع في تعاطي أسباب منع الحمل أو تأخيره في الحالات الفردية لوجود ضرر محقق، بل قد يتعين ذلك إذا خُشي على حياة الأم، إذا قرَّره من يُوثق به من الأطباء المسلمين. وإلا فالأصل أنه لا يجوز تحديد النسل مطلقاً، ويكون الإثم أشد وأقبح إذا تضمنت دعوات تحديد النسل إلزام الشعوب بذلك وفرضه عليها، وهذا ما قرره بالإجماع المجمع الفقهي في مكة المكرمة برئاسة سماحة الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن حميد ـ رحمه الله عام 1400 للهجرة.

المعيشة والرزق
من جهته, أوضح الشيخ أحمد السيف إمام وخطيب جامع السليم في الرياض, أن الدعوة إلى تحديد النسل هي من الأفكار التي غزتنا عن طريق أعداء الإسلام الذين يحتجون بأن كثرة النسل يثقل كاهل الأسرة وأنه يسبب تزاحما سكانيا ولا يستطيع رب الأسرة أن يوفر لهم المعيشة والرزق, وهذا يتنافى تماما مع قول الله تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون), كما وردت آيات صريحة تنكر على أهل الجاهلية الذين كانوا يقتلون أولادهم لخشيتهم من الفقر وما إلى ذلك, يقول سبحانه وتعالى: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم), والمبررات التي يسوقها أعداء الإسلام ومن تبع نهجهم ليست صحيحة لأنها تناقض ما ورد في الكتاب والسنة, وأنقل هنا كلاما حول تحديد النسل لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية سابقا ـ رحمه الله ـ يقول فيها (إن الله تعالى قد تكفل برزق عباده مصداقا لقوله تعالى: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها", ويضيف سماحته إننا ندين الله تعالى بهذا وما قيل حول تحديد النسل يناقض هذا ويخالفه ويتعارض مع مدلول الأحاديث المرغبة في التزوج بالودود الولود، ومع مباهاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمته الأمم يوم القيامة فينبغي الوقوف عند أوامر الله ورسوله، والإيمان الكامل أن رزق العباد على ربهم نسأل الله تعالى أن يعز دينه ويعلي كلمته وبالله التوفيق), إلى هنا انتهى كلام الشيخ ـ رحمه الله ـ ولذلك فإن أي دعوة إلى هذا التحديد تعد دعوة مشبوهة يبثها الأعداء بين المسلمين ليتأثروا بها, ومن هنا فإنه على المسلم ألا يتأثر بمثل هذه الشبهات ويكون مصدره الشريعة الإسلامية التي لم تترك شاردة ولا واردة إلا عالجتها.
من جهة أخرى, بين فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عضو الإفتاء سابقا في فتوى له حول العلاج لقطع الحمل أو إيقافه ومتى يكون بقوله إن هذا الأمر لا يكون إلا عند الضرورة عندما يقرر الأطباء المعتبرون أن الولادة تسبب إرهاقا أو تزيد في المرض أو يخاف من الحمل والوضع الهلاك خوفا غالبا ولا بد في ذلك من رضا الزوج وموافقته على القطع أو الإيقاف ثم متى زال العذر أعيدت المرأة إلى حالتها الأولى, فمن الضروريات مرض الزوجة وضعف بدنها وعجزها عن تحمل الوضع وعن عملية التربية والحضانة ونحوها.
وفي الصدد ذاته, قال الدكتور علي بن إبراهيم الحقوي استشاري طب العائلة في مستشفى الملك فهد في الحرس الوطني, إن من سماحة الإسلام أن قواعده العامة فيها ما ييسر على الناس حتى ينعموا بحياة رغيدة هائلة بعيدة عن كل ما يشوبها من تعقيد, وأضاف أنه في الوقت الذي يشجع فيه الإسلام على الإكثار من النسل والإنجاب كما قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم "تزوجوا الولود الودود" وقوله صلى الله عليه وسلم "إني مكاثر بكم الأمم", أقول رغم هذا إلا أنه اهتم بصحة الأم والطفل وحدد رضاعة الوليد بعامين كاملين كما قال تعالى "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" ليس هذا فحسب بل إنه أسقط عن الحامل والمرضع بعض الأحكام وأباح بعض الأحكام التي توضح بجلاء سماحة هذا الدين ويسره ويبين الدكتور الحقوي أن الذي يتماشى مع الشريعة الإسلامية تنظيم الحمل أما تحديده فهو من الدعوات التي أرادها أعداء الإسلام, وهي ذات أهداف لا يتسع المجال لذكرها. وأعود إلى تنظيم الحمل وأقول إن المرأة تحتاج إليه لعدة أسباب, منها: إعطاء الوليد الفرصة الكافية للاعتناء به والاهتمام به وتغذيته, الرضاعة حولان كاملان, حيث تعد الرضاعة الطبيعية إحدى أهم موانع الحمل الطبيعية, والسبب الثاني العوامل الصحية وهي عديدة مثل فقر الدم وارتفاع ضغط الدم أو السكر خلال الحمل وتمنعها من تكرار الحمل بعد العمليات القيصرية أو حدوث تمزقات في الأرحام, لذا فإنه من الجلي أن المرأة قد تحتاج إلى تنظيم الحمل, وهنا أوضح أنني أفضل تسمية تنظيم الحمل وليس تنظيم النسل, لأن تنظيم الحمل هو في تصوري الجهد أو السبب, أما النسل فهو المحصلة النهائية من العدد والنوع, وهذا بيد الله أولا وأخيرا.

الأكثر قراءة