تكتيك أم استراتيجية إيرانية؟
لقد تغير الكثير بالنسبة لإيران خلال الشهرين الماضيين؛ حيث يمكن للمراقب أن يلاحظ أن الرياح أتت بما لا تشتهي سفن طهران. فلو افترضنا أنه قد تشكل نفوذ إيراني - في المنطقة- وذلك بعد سقوط العراق (بعد الغزو الأمريكي الأخير في عام 2003). وأن ذلك النفوذ قد اندفع عبر (ومن خلال) ما كان يعرف بمنطقة الهلال الخصيب؛ ابتداء من جنوب العراق ومرورا بسورية ولبنان وانتهاء بجنوب فلسطين (غزة). وهو نفس النفوذ الذي توج رمزياً في قمة الدوحة التشاورية التي انعقدت في 16 كانون الثاني (يناير) الماضي. فإن ذلك النفوذ – ولاشك - بدأ بعد تلك القمة في الانحسار.
لقد شكلت المصالحة "العربية - العربية" التي بدأت في قمة الكويت "في 19 كانون الثاني (يناير)"، وتعززت في قمة الرياض الأخيرة؛ نواة الانحسار الفعلي لذلك المد. حيث أسهم رجوع الحميمية للمثلث العربي (الرياض – دمشق - القاهرة) في إيجاد العقبة الأساسية في وجه تقدم سهام ذلك النفوذ "الشرقي".
مع ملاحظة أننا نتكلم في سياق العلاقات الدولية في أساسيات التفاعل بين الدول. وأن طبيعة العلاقات - بشكليها التصارعي والتعاوني - لا تخرج عن ديناميكية الأفعال وردود الأفعال التي تنتج عن تصرفات الدول أنفسها. وأن تلك الأفعال وردودها تأتي ضمن أطر -يفترض أنها - مدروسة من خلال استراتيجيات شاملة؛ وما قصر دون ذلك لا يعد كونه سوى تكتيك قصير المدى.
لقد زاد على ما ذكر أعلاه عقبات أخرى تشكلت إما من جراء الأفعال (الإيرانية) وردود تلك الأفعال، وإما من خلال الاستراتيجيات المفعلة من الجهات المقابلة. فهناك بدايات تقارب سوري - أمريكي. وهناك استعداء إيراني جديد لبعض دول الخليج؛ الذي تجدد ليس من خلال مشكلة احتلال الجزر الإماراتية، وإنما من خلال التهديد الإيراني الجديد (غير الرسمي) لدولة البحرين. وأن هذا الاستعداء يصب النار على الزيت ويسير - دون شك - في ضد مصلحة جميع دول المنطقة بما فيها حتى إيران نفسها. يذكر كل ذلك دون إغفال ذكر إشكالية العلاقات الإيرانية - المصرية، والعلاقات الإيرانية – المغربية، والتي قطعت أخيراً حول خلفيات متراكمة من خلفيات توترات العلاقات الإيرانية - العربية بشكل عام.
لقد أتى العرض الأمريكي الأخير الذي قال به الرئيس الأمريكي باراك أوباما في يوم الجمعة الماضي في ظل ظروف تتصف بالمتهالكة على إيران. وربما أن ذلك العرض -غير المسبوق - قد أتى بعد حسابات دقيقة تعطي الانطباع بإمكانية قبوله مبدئياً. إلا أن ردود الفعل الإيرانية - المعلنة على أقل تقدير- لا توحي بأن هناك نوايا لتفعيل استراتيجية شاملة بهذا الصدد. وهذا بدوره ما يعيد ويزيد على التساؤلات الموجهة إلى طبيعة ومغزى التحركات الإيرانية إجمالاً؛ وهل تلك التحركات مرتبطة بتكتيك؟ أم استراتيجية إيرانية؟