"الموارد البشرية" شريك استراتيجي في إدارة التغيير

تشهد شركات العالم ومؤسساته تغييرات على كافة الأصعدة, هيكلة، استحواذ اندماج تسريح، وتقنيات جديدة. وفي خضم هذا "التغييرات" تتشكل ثقافة جديدة للمؤسسة (الكيان التنظيمي)، متسمة إما بقيم وعادات جيدة أو سيئة (أو مزيج منهما).
ويشير خبراء التغيير إلى أن مبادرات التغيير التي تشهدها المؤسسات تنقسم إلى خمسة أنواع: (1) التغيير الاستراتيجي وهو التغيير الذي يمس كيان المؤسسة فيؤدي إلى اندماجها في كيان أو هيمنتها على كيان آخر، و(2) التغيير القيادي وهو التغيير الذي يؤدي إلى تنظيم الصفوف القيادية داخل المؤسسة عن طريق وضع برنامج إحلال قيادي يسهم في "تخريج" قادة مستقبليين أكفاء، و(3) التغيير الثقافي وهو التغيير الذي يركز على العلاقة بين الموظف والإدارة بهدف تعزيز السلوكيات الإيجابية (كالمثابرة في الأداء) وتحجيم السلوكيات السلبية (كالتأجيل وإضاعة وقت العمل) و(4) التغيير الترشيدي الذي يسعى إلى تقليص الأنشطة والإجراءات التشغيلية غير الضرورية (وهو الأكثر شيوعا) و(5) التغيير الإداري وهو التغيير الذي يرمي إلى إعادة النظر في الإجراءات الإدارية لتتمتع بفعالية وكفاءة أكثر مع البساطة والسرعة.
ولو لاحظنا أن المبادرات الخمس مهما اختلفت في الشكل إلا أنها جميعا تمس "البشر" داخل المؤسسة، ولذلك فإن مبادرات التغيير لا تتحقق بسهولة. فإضمار نية التغيير لا يكفل نجاح المبادرة. فقد تفشل مبادرة التغيير بسبب ضعف الاتصال بين الإدارة العليا والموظفين فلا الإدارة العليا قادرة على بلورة أهداف واضحة من التغيير ولا الموظفون قادرين على استيعاب مجريات التغيير.
وقد تبوء مبادرة التغيير بالفشل بسبب عدم قيام المؤسسة بإجراء الفحص النافي للجهالة (Due Diligence) وما أكثر الشركات التي اندمجت أو استحوذت على شركات أخرى وفشلت لأنها لم تدرس الوضع قبل التغيير.
لهذا فإن إدارة الموارد البشرية (أو قطاع الموارد البشرية) في المؤسسة التي تشهد تغييرا تنظيميا تؤدي دورا محوريا في إنجاح عملية الانتقال من المرحلة سابقة التغيير مرورا بمرحلة حدوث التغيير وصولا إلى المرحلة تالية التغيير.
إذ يمكن لإدارة الموارد البشرية أن تؤدي أربعة أدوار متكاملة وليست متنافرة. فقد تؤدي دور "المؤيد للتغيير" الذي يناصر ويدعم توجهات الإدارة العليا في التغيير ليس طبعا من باب النفاق والتملق وإنما قناعة من "الموارد البشرية" بجدوى تبعات ذلك التغيير.
ويمكنها أن تؤدي دور "الميسر للتغيير" الذي يسهل عملية التغيير عن طريق توفير المعلومات اللازمة عن ثقافة الشركة وأوضاع موظفيها لمتخذي القرار داخل الشركة أو للجهات الاستشارية الخارجية.
وتستطيع الإدارة أن تؤدي دور "مهندس التغيير" الذي يساعد المديرين والموظفين على استيعاب التغيير الحاصل وإشراكهم في هذه العملية عن طريق إعادة هيكلة أنظمة الموارد البشرية (كأنظمة الرواتب والتعويضات وأنظمة التطوير الوظيفي وغيرها) وهذا الدور يساعد على إرسال إشارات إيجابية لطمأنة الموظفين والتأكيد على أن التغيير الحاصل أو المرتقب يصب في مصلحتهم.
أما الدور الأخير فهو يتجلى في اتخاذ الإدارة لنفسها دور "القدوة" الذي يبرهن للجميع أن التغيير قد أثر فيه تأثيرا إيجابيا أدى إلى تحسن في الخدمات المقدمة إلى الموظفين.
ومع أن ما ورد أعلاه ليس بمستغرب على المتخصصين والعاملين في إدارة الموارد البشرية، إلا أن بعض الرؤساء التنفيذيين – مثلا – يرون أنني أدعو إلى تضخيم دور الإدارة بينما تجارب الشركات الكبرى تؤكد أن نجاح مبادرات التغيير لم تكن لتتحقق لو لم تؤازرها إدارات الموارد البشرية التابعة لها.
إذن يجب على "المسؤول الأول" في أي مؤسسة تهدف إلى إجراء تغيير (أيا كان نوعه أو حجمه) أن يشرك إدارة الموارد البشرية في عملية التغيير وأن يمنحها صلاحيات واسعة لإدارة التغيير والتعامل معه والتواصل مع الموظفين وتهيئتهم للتغيير وإطلاق المبادرات الملائمة (تدريب، حوافز فعاليات اجتماعية) التي تتيح للعاملين استيعاب المتغيرات والتأقلم على الأوضاع الجديدة داخل المؤسسة. فإدارة الموارد البشرية شريك استراتيجي في اتخاذ القرار وإدارة التغيير وليست كما يظن البعض أنها إدارة مساندة أو مركز "تكلفة"!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي