ويبقى الريال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى .. ؟!
كان وقع خبر فك ربط الدينار الكويتي مع الدولار الأمريكي المتقهقر، الأثر (الحلو المر) على نفسي كمتابع اقتصادي، فقد سبق ونشرت على صفحات هذه المنارة المضيئة بتاريخ 29/5/2005 مقالاً بعنوان "لماذا لا تحدد أسعار الفائدة على عملاتنا محلياً؟"، وكان يتمحور حول العلاقة ما بين عملاتنا الخليجية وعلى رأسها الريال السعودي من جهة، والدولار الأمريكي من جهة أخرى، وتداعيات ذلك فيما يختص بأسعار النقد والسياسة النقدية في اقتصاداتنا، ومقالاً آخر بعنوان "من أين يأتي الدعم؟" بتاريخ 15/02/1427هـ، فقد ناقش وطرح الموضوع الاقتصادي المصيري نفسه وتداعياته السلبية على أسواق المال المحلية.
فمن جهة استبشرت خيراً من بدء اعتماد أصحاب القرار في الكويت الشقيقة ديناميكية تحديد السياسات النقدية المستقبلية من خلال استقلالية أكبر من نظيرتها المؤثرة في الدولار. إن ذلك (الحلو) بما يحمله لهم من استقرار يعد أهم المكاسب وأولها وليس آخرها، إضافة إلى مكاسب حقيقية تجنى من تماسك القدرة الشرائية لعملتها مقابل العملات الرئيسية الأخرى مثل اليورو والاسترليني وغيرهما من العملات التي عادت لتشكل مكونات المخزون النقدي لديها عوضا عن تركيزها حصرا على الدولار الأمريكي كما هو الحال الآن في بقية دول الخليج، وما قد يعنيه قرار كهذا لبقية دول الخليج واقتصاداتها من تحفيز مهم للتطور والتقدم حال أدى لإثارة التفكير وإعادة النظر فيما اعتبر سلفاً من مسلمات وأساسيات السياسات النقدية المحلية منفردة والسياسات النقدية المخطط لها للكتلة الاقتصادية الخليجية مجتمعة.
أما الجانب (المر) فيتجرع مما قد يحدث من اختلاف وتعارض للسياسات الاقتصادية الخليجية بعضها ضد بعض، وهو ما قد يقطع أو يعطل التكامل الاقتصادي الخليجي المأمول، إضافة إلى استمرار حرمان اقتصادات باقي الدول الخليجية مما قد تتمخض عنه من ثمرات تحرير عملاتها من عبء الربط بالدولار الذي أمسى من أكثر العملات الرئيسية ضعفاً وتقهقراً.
إن القرارات المتعارضة الأخيرة قد تؤثر في ميكانيكية دعم العملات الخليجية، وهو ما قد ينعكس في الوصول إلى العملة الخليجية الموحدة التي تمثل عصب الترابط والتكامل الاقتصادي الخليجي وأحد أهم أركانه.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل آن الأوان أن تتراجع السلطات النقدية في باقي دول الخليج، وعلى رأسها السعودية كأكبر اقتصاد خليجي، عن ذلك الربط القديم ذي الحمل الثقيل، وما يتسبب فيه من عبء وتكلفة اقتصادية كبيرة يدفع فاتورتها المستهلك المحلي نتيجة التضخم المستورد المصاحب لقرار استمرار الربط؟ إضافة إلى ما تحتمه تلك التبعية الاقتصادية من محدودية وجمود للخيارات في القرارات النقدية، وذلك نتيجة فقدان بعض أهم أدوات التدخل النقدي لدى السلطات النقدية المتمثلة في استخدام القدرة على تغيير سعر الفائدة على العملات الخليجية وبشكل مستقل للتأثير الإيجابي في مستوى النمو والاستقرار الاقتصادي بجميع مؤشراته.
لا يخفى على أي اقتصادي ما يمكن جنيه من هذه الاستقلالية من مكاسب اقتصادية، تمهد للوصول إلى التوازن والنمو الاقتصادي المنشود؛ مبتعدين عن مخاطر وأضرار التضخم المستورد من جهة والتقهقر والركود الاقتصادي وتراجع الأسواق المالية من جهة أخرى.
والآن كذلك تحسباً لتشتت الوحدة والتكامل الاقتصادي الخليجي وإنقاذ جملة التفاهمات الاقتصادية الخليجية المبرمة، التي كلفت الكثير من الجهد والوقت للوصول إليها من الضياع، من الواجب أن تنصهر كل السياسات النقدية وتحدد تحت مظلة اقتصادية واحدة أسس التكامل الاقتصادي الخليجي بما تقدم من إرهاصات نقدية ومؤشرات وجملة متغيرات.